الرئيسية مقالات واراء
ثمة أسئلة تطرح في الأردن، أزعم أن لا أحد يمتلك الإجابة عنها من المسؤولين مهما علت مواقعهم، ومنها الأسئلة المتعلقة برحيل الحكومات أو إعادة تشكيلها وتعديلها، أو تلك المتعلقة بحل مجلس النواب أو بقائه لاستكمال مدته الدستورية.
بناء على هذه القاعدة، التي تعلمها وتدركها جيدا كل ما اصطلح على توصيفه بالنخب أو الصالونات السياسية، فإنّ أي رأي مطروح في هذا المجال أو معلومات يتم تداولها لا تتجاوز أن تكون أكثر من إشاعات، ويكون مصدرها بالعادة النخب نفسها التي تروّج لمثل هذه الأنباء، أو الصالونات السياسية المغرمة بالتغييرات، لعل وعسى أن يصيبها من الموقع الخالي جانب.
ثمة نقطة مهمة؛ فالأردنيون اعتادوا الحكومات قصيرة العمر، رغم النقد الشديد لهذا التوجه لتأثيره البالغ على فرص إحداث التغيير وتحقيق الإنجاز، غير أن الفكرة ما تزال تغويهم، لذلك نجدهم شديدي الاندفاع تجاهها والترويج لها.
الأحاديث التي تدور عن رحيل قريب لحكومة د. هاني الملقي بعد إتمام انتخابات اللامركزية والبلديات يوم بعد غد، باتت محور حديث الأردنيين خلال الأسبوعين الأخيرين سواء من النخب والصالونات، أو من أشخاص عاديين يغريهم الخوض بالشأن العام، ويصلهم هم أيضا "كلام" يتم الزعم بأنه "معلومات" حول هذا الأمر.
شخصيا، اعتمد في الإجابة عن السؤال بالتحليل وليس المعلومة، فمثل هذه المعلومات تبقى حكرا لدى صاحب القرار في مثل هذه الملفات، مع التذكير بمبدأ "أربعة في أربعة" الذي بات يحكم فكرة بقاء الحكومات في الدوار الرابع، والتي طبقت للمرة الأولى على حكومة د. عبد الله النسور، فلم يكن بقاء النسور مدة أربع سنوات في الرابع مرتبطا برضى السلطة التشريعية عنه ولا برأي عام بات يطالب برحيلها بعد عامها الثالث.
القصد، وقياسا على ذلك، فإن هذا الأمر مرتبط بمحاولة تكريس مبدأ إطالة عمر الحكومات، كما أن ثمة معطيات موضوعية وبرامج ترتبط بخطط عمل الحكومة تسند فكرة البقاء لمدد أطول.
في حالة الملقي، ثمة برنامج ملتزَم به مع صندوق النقد الدولي بدأ التفاوض حوله في حكومة عبدالله النسور، ووضعت خطوطه العريضة كما تفاصيله في عهد الحكومة السابقة، وبالفعل جاء الملقي ونفّذ شروط السنة الأولى منه. اليوم الموقف نفسه قائم؛ سنة جديدة، وبرنامج إصلاح متفق عليه مع الصندوق، وحزمة قرارات جديدة صعبة وقاسية ليس من مصلحة أي حكومة جديدة أن تنفذها، لكي تبقى بعيدة عن نيران المكتوين بحرارة القرارات غير الشعبية والقاسية في آن.
بحسب الخطة، فإن التفاوض حول العام الجديد والخطوات المطلوبة سيبدأ في منتصف أيلول (سبتمبر) المقبل، وسيقر بعد ذلك، على أن يجري تنفيذه مع السنة المالية الجديدة للعام 2018، سواء من قبل الملقي نفسه أو من قبل حكومة جديدة تنفذ قرارات اتخذتها حكومة رحلت، ما يعفيها من الكلف المترتبة على القصة.
إن كان النقد الموجه للحكومة يشمل أداءها في الأزمات التي اندلعت خلال الفترة الماضية، فمن الإنصاف القول إن ملف "المسجد الأقصى" أدير بشكل جعل نهاية المعركة لصالح الأردن، إذ عادت الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل وضع البوابات، لأسباب عديدة لا يتسع المقال لشرحها.
أما في "حادثة السفارة" و"معارك أبو تايه"، فقد كان الإخفاق في كيفية إدارة الأزمة من طرف الحكومة، ولكن من قال إننا سنجد الأمر مختلفا حين نراجع تاريخ عدد من الحكومات خلال السنوات العشر الماضية. النتيجة كانت دائما غياب استراتيجية للتعامل مع الأزمات ما كبر منها وما صغر، ولو اتسع المقام لعددت أزمات مرت بكل الحكومات، أدت دائما لنتائج غير مرضية للأردنيين.
حاصل الأمر، يمكن لحكومة الملقي أن تذهب أو أن تبقى، لكن على كل عضو فيها أن يدرك أن الأردن اليوم في مواجهة أزمة مفتوحة إقليمية ومحلية، وأن التعامل الرتيب مع الحالة لن يفضي أبدا إلى نتائج مقبولة، ما يستدعي منه أولا تقييم العقلية التي تنظم عمل الحكومة ومراجعة استراتيجيتها ونقاط ضعفها في حال بقيت، علها تغادر الدوار الرابع بعد سنوات بنتيجة إيجابية يذكرها الأردنيون.