الرئيسية مقالات واراء
برشلونة المدينة التي يُجمع على حبها الملايين حول العالم ويرتبط اسمها بواحد من أعظم فرق كرة القدم في التاريخ، وأكثرهم من العرب والمسلمين. مدينة تضج بالحياة والفرح والسلام والسياحة من كل أصقاع الأرض، كل ذلك لم يشفع لها عند الإرهابيين والقتلة؛ أعداء الحياة والإنسانية. اختاروا أجمل ساحاتها وأحلى شوارعها لارتكاب جريمة نكراء بحق أناس عزل فقتلوا وأصابوا ما يزيد على مئة إنسان ينتمون لـ24 جنسية.
جريمة إرهابية فيها من الخسة والنذالة ما لا يتخيله عقل. التنظيم الذي ارتوى من دماء أهل الموصل والرقة ينقل معركته اليائسة إلى قلب العالم المتحضر، من باريس وبروكسل إلى نيس فلندن وبرلين، ويدمي من قبل عربا ومسلمين من أبناء جلدته أينما تيسر له.
قبل أن تتعرف الشرطة الإسبانية على هوية الإرهابيين أعلن التنظيم المتوحش مسؤوليته عن الجريمة، زاعما أنها رد فعل على قصف قوات التحالف الدولي لأوكار التنظيم في سورية والعراق.
أسبانيا على وجه التحديد لم تضع قدما في حروب المنطقة، وبرشلونة على الخصوص لم يأتنا منها سوى المتعة لعشاق كرة القدم والسياحة، وجادتها "لامبلارس" كانت على الدوام ملتقى البشر من مختلف الجنسيات، وشارعها شريان الحياة الذي يأخذك لأحيائها التاريخية وأهمها الحي القوطي.
يجمع الخبراء على أن سقوط الهيكل التنظيمي لداعش لايعني نهاية التنظيم. خلاياه منتشرة في كل مكان في العالم. ذئاب منفردة ومجموعات متعطشة للدم لاتجيد سوى القتل.
وإن كان خطر التنظيم في التمدد والتوسع قد انتهى فإن كارثية أفعاله الشريرة ستكون أشد فتكا في المستقبل. آلاف الأشخاص حول العالم تأذوا من جرائمه، منهم من قتل أو جرح ومنهم من فقد قريبا أو صديقا، ومثلهم مئات الآلاف من سكان المدن، عاشوا التجربة المرة وشاهدوا مدنهم مكلومة مدمّاة. هؤلاء لن يغفروا ولن يسامحوا. هم من سيشكل صورتنا في أعين العالم. قد لا نشعر بالأذى على المدى القصير، لكن في المستقبل القريب سنشهد التحولات في تفكير القطاع العريض من الرأي العام الغربي.
لقد برزت بقوة بوادر الكراهية، وتجلت في تقدم اليمين المتطرف في كل انتخابات أوروبية ومعاداة الأجانب من العرب والمسلمين تحديدا، ونبذ اللاجئين.
يكافح الليبراليون واليساريون في الغرب هذه الظواهر، لكن مع كل عملية إرهابية جديدة يخبو صوتهم وتتبدى عليهم علامات اليأس والإحباط.
سردية خطابنا السائد عن أقلية شاذة لا تمثلنا لن تصمد طويلا، سيكون علينا أن نبرهن للعالم أننا بالفعل أغلبية تنبذ الإرهاب. حتى الآن ما نزال مترددين. كل جملة إدانة خجولة نتبعها بـ"لكن". ما يزال بيننا الكثير من يبحث عن أعذار للقتلة، وتبرير لجرائمهم. ما نزال نضفي قدسية على أحكام فقهية ينهل منها الإرهابيون.
لم يعد أمامنا مجال للمراوغة والمناورة، علينا أن نحسم أمرنا، وإلا لن يكون منطقيا السؤال: لماذا يكرهوننا؟ فمخزوننا من الكراهية يكفي ليجعلنا أمة منبوذة في العالم كله.