الرئيسية مقالات واراء
تذهب أغلب التوقعات أنّ العام القادم، على أبعد تقدير، قد يشهد نهاية الدولة التي أقامها تنظيم "داعش" في كل من العراق وسورية، فمعركة تلّعفر بدأت عملياً، فيما ينتظر كثيرون المعارك الحاسمة في كل من الرقّة وديرالزور.
المشكلة تبدأ في اليوم التالي لداعش! ولا أقصد، هنا، التحول التكتيكي في عمليات التنظيم، الذي سيتحوّل غالباً إلى حرب العصابات وإعادة بناء القواعد والخلايا، بل المقصود هو أنّ البديل عن داعش اليوم وغداً في العراق وسورية، ليس دولة مدنية، ديمقراطية، تستوعب الجميع، وتستفيد من دروس الماضي، بل هي دول تخضع للنفوذ الإيراني وهيمنة الميليشيات والقوى الطائفية، ما يعني تأجيج "الأزمة السنّية" ونقلها إلى مرحلة أخطر، وهي الأزمة التي استثمرها تنظيم داعش في عملية التجنيد والتنظيم وبناء الدعاية الإعلامية والسياسية بوصفه مدافعاً عن "الهوية السنية" المهددة في كل من العراق وسورية ولبنان!
ما هو أخطر من داعش، وما سيذهب بالمنطقة إلى عصور ظلام حقيقية، وينقلنا إلى كانتونات طائفية وعرقية ومذهبية، هو تنامي النفوذ الإيراني المسكون بنزعة طائفية- تاريخية، واستدعاء الصراعات والخلافات الطائفية والمذهبية من رحم التاريخ لتسكن الجغرافيا السياسية الجديدة في المنطقة العربية، وهي نزعات ستحيي نزعات أخرى وقوميات وإثنيات ومفاهيم تجنّبتها المنطقة العربية، أو حيّدتها، خلال العقود الماضية، من مسار ما يسمى "الدولة الوطنية" قبل أن تبدأ بالعودة بصورة متدحرجة، منذ احتلال العراق، وصولاً إلى مرحلة الثورات العربية، فانهيار النظام الإقليمي العربي وتفككه، وصولاً إلى تفكك الدولة الوطنية- القطرية العربية الراهنة.
ثمّة مخاوف حقيقية في أنّ ما يقوم به قاسم سليماني والقوى التابعة له في المنطقة العربية يتجاوز اليوم تحقيق انتصارات عسكرية إلى إجراء هندسة طائفية في العديد من المناطق والمدن في العراق وسورية، ما يعني أنّ المنطقة العربية، وهذه الدول المتوترة؛ سورية والعراق، حتى وإن شهدت سكوناً أو تحولات راهنة في موازين القوى على أرض الواقع، فإنّها ستحكم بمنطق الحروب الداخلية الأهلية المرتبطة بسياسات الهوية الطائفية والعرقية والمذهبية، خلال الأعوام القادمة.
المشكلة، بالضرورة، ليست مع إيران كدولة قومية، أو الاعتراف بها كقوة إقليمية (بل خطأ العرب الرئيس منذ عقود يتمثّل في أنّهم أغلقوا باب الحوار مع إيران، وفضّلوا منطق الصراع والمواجهة الحتمية)، إنّما المشكلة أنّ التيار الإصلاحي، الذي يحاول التخفيف من حدّة النزعة الطائفية في الداخل وفي علاقات إيران مع المحيط العربي، هو نفسه، وفي مقدمته الرئيس الإيراني حسن روحاني، يشعر أنّه مكبل اليدين، ويسيطر الجناح المتشدد على مقاليد القوة الحقيقية، وهو الجناح الذي ينتمي إليه قاسم سليماني، القائد الفعلي للميليشيات عابرة الحدود، سواء في العراق أو سورية، وهو – أي سليماني- أصبح الرقم الصعب في معادلة هذه الدول!
ذلك لا يعني البتة تبرئة الدول العربية مما آلت إليه منطقتنا، فهي الأخرى استخدمت الورقة الطائفية في مواجهة إيران، وتلاعبت بمسألة الهويات، وستدفع ثمناً كبيراً وهي تواجه اليوم "قنابل موقوتة" تتمثل بالمواطنين الذين يعتنقون المذهب الشيعي، ويعانون من عدم الاعتراف بهم.
في المجمل؛ نحن قادمون على ما هو أسوأ بكل تأكيد، فداعش أيّاً كانت وحشيتها ليست إلاّ جزءا من ديناميكية أخطر وأكبر تجتاح المنطقة، ويبدو أنّ منطق العقل والحكمة أصبح خارج المعادلة تماماً، وأنّ المفتاح الجديد للمنطقة هي الحروب الطائفية والمذهبية والإثنية!