الرئيسية مقالات واراء
ما حدث في الرصيفة خلال الأيام الماضية يستحق المراجعة والتفكير العميق من أصحاب الشأن وراسمي السياسات، بما يتجاوز جريمة قتل فادي الخلايلة، وما تلاها من أحداث شغب احتجاجاً على عدم الوصول إلى الجناة، وصولاً إلى إعلان عشائر بني حسن "تشميس" بعض الأسماء المشتبه بتورّطها في الجريمة، وفقاً للأعراف العشائرية، ثم تسليم بعض المطلوبين أنفسهم وإلقاء القبض على آخرين.
ما حدث يسلّط الضوء على أمرين اثنين رئيسين؛الأمر الأول هو ما كتب عنه كثيرون، وكنتُ منهم، عن انتشار مفهوم الأتاوى و"الخاوات"، وتنامي سلطة الزعران والبلطجية، في أغلب محافظات المملكة، بل وهنالك مناطق تكاد تكون خارج إطار القانون، فيها شرعنة واقعية لمنطق الخاوات والآتاوات، وبعض هؤلاء الزعران أصبحوا من أصحاب المكانة الاجتماعية والمصالح التجارية، ويمتلكون شبكة علاقات قوية ونافذة، مبنية في جلّها على سمعتهم في عالم الأتاوات والفتوات!
هؤلاء توفّر لهم حماية غير رسمية، في كثير من الأحيان، عبر علاقاتهم بوجهاء، ومن خلال عبورهم بين الفجوات التشريعية والتنفيذية، باحتراف، وأصبحوا يمثّلون حالة خطيرة منتشرة في المجتمع، تقلق كثيراً من المواطنين، بخاصة أصحاب المصالح التجارية الصغيرة، من يدفعون لهم لقاء سلامتهم. أمّا الشركات الكبيرة فلجأ بعضها إلى "عقود ترضية" لهؤلاء.
الجواب الرسمي أنّ الآليات القانونية غير كافية للتعامل مع هذه الظاهرة، والجواب على ذلك يمكن تعديل هذه التشريعات بصورة مستعجلة، وإيجاد نصوص خاصة بالتعامل مع المجرمين وأصحاب السوابق، وإلى حين ذلك فهنالك آليات وأدوات عديدة إن توافرت الإرادة الحازمة من الحكومة فيمكن وضع حزمة متكاملة ما بين الإجراءات القانونية وصلاحيات الحكام الإداريين للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة.
ما نتمناه على رئيس الوزراء ووزير الداخلية ومدير الأمن العام أن يبدؤوا فوراً بوضع حدّ حاسم لهذه الظاهرة، للتأكيد على مبدأ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع، وعلى قوة الدولة وهيبتها ورفض هذه الظاهرة، والأمن يملك بسهولة قائمة بأسماء أغلب هؤلاء ويمكن وضع حدّ لهم، عبر إجراءات قانونية وإدارية وأمنية صارمة، فما الذي يؤخّر هذه الخطوة ويؤّجلها؟!
من الضروري رفع الغطاء الاجتماعي والأخلاقي عن هذه الفئة الضالة المنحرفة، وتشميسهم إعلامياً وسياسياً وقانونياً، والأهم من ذلك إيقاف الفئة المتنفذة التي تحميهم عن حدّها، وتكسير الشبكات التي أقامها هؤلاء مع سياسيين وشركات وأعطتهم شرعية خارج إطار القانون والأخلاق والثقافة المطلوبة.
أمّا الأمر الثاني، الذي كشفته أحداث الرصيفة، فهو مرّة أخرى ضعف الإدارة الرسمية، بكافة تفاصيلها، ومشكلة التوقيت في اتخاذ الإجراءات المناسبة، حتى وقعت أحداث شغب، ثم أعلنت عشائر بني حسن تشميس المطلوبين (التشهير بهم، وإعطاءهم مهلة، قبل استباحة دمهم)، وهي مؤشرات مرعبة عن غياب الدولة ورسالتها السياسية والإعلامية تماماً!
كان يمكن بسهولة تقديم رسالة من قبل المسؤولين، سياسياً أو أمنياً، فور وقوع الجريمة، بالضرب بيد من حديد على من قام بالعملية أولاً، وعلى الاستخدام الحصري للقوة من قبل الدولة، من دون أن نرى الأحداث المؤسفة التي تلت ذلك، وكأنّ الدولة دائماً تلحق بالركب، وآخر من يصل!
عندما وقعت أحداث الكرك الإرهابية، وقبلها أحداث إربد، قامت الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات واسعة طالت المئات ممن ينتمون أو يتبنون الأفكار السلفية الجهادية، في حالة أشبه بالطوارئ الأمنية، وهذه الشريحة – الخارجون على القانون والمجرمون- لا يقلون خطراً وفتكاً بالسلم الأهلي والاقتصاد عن غيرهم، فمن الضروري أن نرى حملة مشابهة ورسالة شديدة اللهجة، وإجراءات واضحة تؤكد على أنّ الدولة موجودة وأنه لا سلطة فوق سلطة القانون!