الرئيسية مقالات واراء
جردة الأيام التي تلت احتفال الحكومتين؛ الأردنية والعراقية، بإعادة افتتاح معبر الطريبيل بعد إغلاقه مدة عامين، تؤكد أن عدد مركبات نقل الركاب التي اجتازت الحدود خلال الأيام الماضية تراوحت بين 10 – 15 سيارة يوميا، أما عدد شاحنات نقل البضائع فكانت صفرا.
الأعداد تبدو عادية، خصوصا أن الافتتاح تبعه عطلة عيد الأضحى، ما يعني حكما تراجع حركة شحن البضائع، لكن ذلك لا يعني أن الخطوة اجتازت الامتحان الأمني حتى اللحظة، لأن ثبات النظرية بأمن الطريق، ولو من خلال شركات أمنية أميركية، يحتاج فترة من الزمن لاختبارها بشكل جيد.
قطاعات مختلفة بدأت الاستعداد للقصة؛ أصحاب المحال على طريق عمان بغداد بدأوا يستعدون لفتح محالهم، الصناعيون أيضا يحضّرون أنفسهم لإدخال بضائعهم، والكل عينه على العراق كشريان لتصريف بضائعه.
نجاح الخطوة لا يقتصر على أمن الطريق فقط، بل بإدراك أن معادلة الأسواق والاحتياجات العراقية اختلفت اليوم، حيث لم يعد هناك برنامج النفط مقابل الغذاء، وهو الذي كان يستقبل كل البضائع ويرميها في السوق العراقية دون النظر إلى مدى التزامها بالمواصفات والمقاييس العالمية، فالحصار القاسي على العراق اضطره للقبول بكل ما هو متوفر من أجل إشباع سوقه الكبيرة.
ما سبق يتطلب من مجتمع الأعمال الأردني أن يأخذ هذا المعيار بعين الاعتبار، ويتطلع إلى معايير المستهلك العراقي التي باتت مختلفة تماما اليوم، وذلك يتزامن مع تنافس محموم مع أطراف مختلفة في المنطقة، فتركيا والخليج كله وغيرها من الدول تنظر أيضا إلى حصتها في سوق العراق.
كما أن الاقتصاد العراقي تبدل كثيرا خلال السنوات الماضية، إذ تم إنشاء صناعات عديدة منافسة، وكذلك تطورت البنية التحتية، ما يعني أن التنافس بات مفتوحا على كل الصعد، ويحتاج إلى طريقة مختلفة.
التنافس الكبير يضع ثقله في القصة، ما يتطلب خطة شاملة لترتيب العلاقة الجديدة مع العراق، تبدأ بدراسة احتياجات السوق ومتطلبات المستهلك العراقي ومختلف القطاعات الاقتصادية، ونجاح هذا العمل لا يتم بتخطيط فردي بل يحتاج إلى عمل جماعي تقوده مؤسسات اقتصادية متفهمة للحالة العراقية، بحيث تقوم بدور التقييم والتشبيك.
من هذه المؤسسات التي يمكنها لعب هذا الدور المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومنتدى الاستراتيجيات الأردني، بحيث تقوم هذه المجالس برسم الخريطة المطلوبة لدخول السوق العراقية من خلال عمل منظم وليس اجتهادات فردية وفزعة غير مدروسة كانت نتائجها دائما محكومة بالفشل.
الخطأ بإدارة ملف الطريبيل والوصول للعراق بهدف زيادة التبادل التجاري غير مقبول، لأن استثمار هذه الفرصة التي باتت المتنفس الأهم للاقتصاد المخنوق ضرورة، خصوصا أن الأزمة الاقتصادية تشتد وأرقام النمو ما تزال متواضعة جدا، ولا أمل منها بإسعاف الأردن في التخفيف من حدة المشاكل.
اليوم، ثمة صفحة جديدة في العلاقة تحتاج اجتهادا أردنيا مختلفا، والفرصة متاحة للقطاعات الصناعية والتجارية والزراعية والإنشاءات للوصول للمستهلك العراقي، وإن لم نستثمر هذه البوابة كما يجب ستكون المنافع لاقتصادات أخرى تنافس لدخول العراق.
صحيح أن العلاقة السياسية الآن جيدة، لكنها لم تعد تكفي لإنشاء علاقة اقتصادية وثيقة إلا بالتنافس، خصوصا أن المشهد السياسي دائما عرضة للتقلبات نتيجة الانقسامات والتحالفات المقبلة هناك، وتحديدا أن ثمة انتخابات جديدة ستجرى في العراق عنوانها العبادي والمالكي، ولا ندري لمصلحة من ستكون الغلبة في تلك الانتخابات.