الرئيسية مقالات واراء
بدأ الهجوم مبكرا على مشروع قانون ضريبة الدخل، حتى قبل أن يقره مجلس الوزراء بصورته النهائية. مجرد تسريبات أولية غير مؤكدة لبعض مواد القانون كانت كافية لتأزيم الأجواء النيابية وتحريك مشاعر القلق في الشارع الأردني.
"ضريبة الدخل" واحد من أهم التشريعات التي تمس حياة الناس، ومن الطبيعي لا بل من الضروري أن يدور حوله نقاش عام وساخن في كافة الأوساط الاجتماعية والمنابر الحزبية والإعلامية والنقابية والمنتديات العامة.
ولطالما كان مطلب الدولة هو توجيه النقاش في البلاد حول المواضيع التي تهم حياة الناس عوضا عن الانشغال في معارك سياسية لا تعني المواطنين في شيء. قانون الضريبة في قلب هذا النقاش إلى جانب قضايا حيوية كالتعليم والخدمات الصحية والنقل، وسواها من الأمور المتعلقة بحياة الناس.
لكن من الصعب أن نجري نقاشا صحيا حول تعديلات القانون في أجواء من الاتهامية والعداء قبل أن تتضح الصورة النهائية للتعديلات المقترحة، ومبرراتها الاقتصادية والاجتماعية. كما لا يمكن للحكومة التوصل لتوافقات مجتمعية وبرلمانية حول التعديلات إذا ما أصرت على ربط القانون وتعديلاته بفك أزمة الموازنة وتحصيل مبلغ 500 مليون دينار للعام القادم.
طرح مسألة الإصلاح الضريبي بهذا الشكل المنفر والمستفز لن يترك مجالا لإدارة حوار موضوعي وصحي حول القانون.
تلك هي مشكلتنا الأبدية في الأردن؛ ربط عملية الإصلاح الاقتصادي بحاجات الموازنة وليس حاجة المجتمع لتطوير إمكانياته، وتحسين آليات عمل اقتصاده، بوصفها مهمة مطلوبة بحد ذاتها وليس تحت ضغط المنظمات الدولية الممولة والمانحة.
النقاش ينبغي أن يبدأ بالأسئلة الأساسية وبصرف النظر عن قانون الموازنة. وأول هذه الأسئلة، هل قانون الضريبة في الأردن يحقق القدر المعقول من العدالة أم فيه من الاختلالات ما يستدعي التصويب لإنصاف فئات اجتماعية، وضمان مبادئ العدالة؟
وفي الأثناء ينبغي أن نقدم للجمهور حقائق وأرقاما مجردة لعوائد ضريبة الدخل، وأثرها في الموازنة، ونوعية الخدمات التي يمكن تحسينها مستقبلا في حال ارتفع العائد الضريبي.
وثمة قناعة سائدة عند جمهور عريض في الأردن مفادها أن قانون ضريبة الدخل لا يأخذ بمبدأ التصاعدية، وبأن الشركات الكبرى وطبقة الأغنياء لايدفعون سوى القليل مما يستحق عليهم من ضرائب.
يجب توضيح وتفنيد هذه المعلومات إن لم تكن صحيحة، وكشف الحقائق حول المصادر الأهم للتحصيلات الضريبية، وحجم مساهمة الشركات الكبرى مقابل الأفراد. وفي البال أيضا ملف التهرب الضريبي الذي تقرّ فيه السلطات، ويعتقد غالبية المواطنين أنه بمثابة الثقب الأسود الذي يبتلع حقوق الخزينة.
لاشك أن إدارة نقاش موضوعي حول القانون، سيفرز مواقف وتيارات مختلفة، لكنه يقدم أيضا سلة مقترحات يمكن الاستفادة منها للتخفيف من الآثار السلبية لأية تعديلات مقترحة.
مؤكد أننا لن نحظى بإجماع وطني حول قانون خلافي كالضريبة، لكننا على الأقل نضمن أن لا يتحول الموضوع إلى عنوان لأزمة وطنية وحفلة لتبادل الاتهامات تحت قبة البرلمان، واحتقان في الشارع يضاعف من مأزق المؤسسات في بلادنا، ويفاقم أزمة الثقة بينها وبين الشعب.