الرئيسية مقالات واراء
"توسل" النائب في البرلمان عمر قراقيش جمهوره من الناخبين والمواطنين أن لايطلبوا وساطته للإفراج عن الموقوفين في قضايا ترويج وتعاطي المخدرات. وقال في منشور"فيسبوكي "إنني لن أسمح لنفسي بالتوسط لمثل هؤلاء،لا بل أطالب الحكومة بتغليظ العقوبات بحقهم".
الضغوط التي تمارس على النواب وأصحاب الجاه السياسي والاجتماعي للتوسط بمثل هذه القضايا، مؤشر على تنامي ظاهرة المخدرات في مجتمعنا. وأثار دهشتي ما سمعته من نواب عن حجم الوساطات بقضايا المخدرات التي لم يسلم منها نائب في البرلمان.
يمكنني تفهم صدمة الأب عندما يكتشف أن ابنه المراهق يتعاطى المخدرات، فيتحرك بكل الاتجاهات لإنقاذه من الورطة قبل أن يبلغ نقطة اللاعودة. النظام القضائي وإجراءات التحقيق والضبط لدى "مكافحة المخدرات" تأخذ بعين الاعتبار مثل هذه الحالات، ولا تغالي في معاقبتهم، بقدر سعيها لتوعيتهم وتوفير العلاج لهم ليعودوا لحياتهم الطبيعية.
لكننا ولسنوات شهدنا أشكالا بغيضة للتوسط لصالح تجار مخدرات ومروجين كبار ما إن يفلتوا من العقاب حتى يعودوا لنفس الدرب. والمعلومات المتداولة في هذا الشأن خطيرة لايمكن تبنيها بالطبع، لكن أسماء لامعة في المجتمع كانت حاضرة في هذه الروايات قيل إنهم لعبوا دور الوساطة لمساعدة تجار مخدرات وأصحاب باع في الترويج.
تجارة المخدرات تفتح بابا واسعا على تجارة السلاح المهرب، ويرتبط الطرفان بصلة وثيقة مع عصابات البلطجية وفارضي الخاوات، وهي الظاهرة التي اكتست طابعا خطيرا في الآونة الأخيرة، وانتقلت لمرحلة تنظيمية متقدمة تنافس سلطة القانون، لابل وتفرض قانونها على مناطق بحالها.
لقد نال مثل هؤلاء نفوذهم ليس اعتمادا على سطوتهم وتجبرهم بالناس فقط، إنما بالدعم الخفي الذي يحصلون عليه من شخصيات نافذة في المجتمع تقوم على تشغيلهم بمهمات خاصة، وتنفق عليهم أحيانا، وتوفر الحماية القانونية إذا ما تطلب الأمر.
كشفت حوادث عدة شهدت مواجهات بين رجال الأمن وزعماء تلك العصابات الروابط التي تجمعهم مع نافذين من رجال أعمال وساسة. ولو توفرت لوسائل الإعلام الجادة في الأردن الحماية الكافية لنشر مالديها من معلومات موثقة لتكشّفت للرأي العام معلومات مذهلة عن العلاقة التي تربط بين تلك الأطراف.
في السنوات الأخيرة شهدنا تطورا في العلاقة بين البلطجية وتجارة المخدرات، وكان واضحا جدا للسلطات الأمنية أن أفراد تلك المجموعات هم في نفس الوقت شبكات لترويج السموم في المدارس والجامعات والأحياء الشعبية، ودليل كبار المروجين للوصول إلى المستهلكين الصغار.
هذه بالطبع ليست ظاهرة أردنية فريدة، دول العالم كلها تصارع مثل هذا التحدي، الفرق أنه في الدول المتقدمة تفرض سلطة القانون نفسها؛ لاوساطات ولا جاهات، وإذا ما برزت صلة بين العصابات والشخصيات النافذة، فإن القانون ووسائل الإعلام لاترحمهم أبدا.
نقدر مبادرة النائب الشجاعة، ونأمل من جميع النواب والسياسيين أن يلتزموا بميثاق شرف يستثني قضايا المخدرات والبلطجية من وساطتهم، ونتوقع من القائمين على تطبيق القانون أن يغلقوا أبوابهم في وجه الوسطاء مهما بلغ شأنهم.