الرئيسية مقالات واراء
في الوقت الذي كانت الحكومة تنفي وجود أية تصورات حول قانون ضريبة الدخل، وتصدر البيانات الصحافية والتصريحات على التوالي لإقناع الناس بأن كل ما نشر في الإعلام غير دقيق، نكتشف أنها أرسلت لصندوق النقد الدولي وثيقة بالتعهدات والإجراءات التي تفكر بها.
وقام الصندوق بنشر رسالة النوايا المتعلقة بالإجراءات التي ستتخذها الحكومة على موقعه الإلكتروني مظهرا أن الرسالة موقعة من وزير المالية عمر ملحس ومحافظ البنك المركزي د. زياد فريز.
الرسالة صادرة قبل منتصف العام، وتحديدا في الثاني من حزيران العام الحالي، أي منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ما يعني أن الحكومة تقصّدت إخفاء ما تفكر به عن الرأي العام، واعتماد سياسة الاختباء والصمت حيال قضية كبرى تمس كل الأردنيين تماما كحالها في التعامل مع قضايا أخرى؛ سياسية وأمنية واجتماعية.
القصة أننا نكتشف، في غفلة منا، أن الحكومة، ومن خلال الرسالة التي وجهتها للمديرة العامة للصندوق كريسيتن لاغارد والتي حصلت "الغد" على نسخة منها ونشرتها يوم الخميس الماضي، قدّمت ما حسم الجدل حول قيامها بوضع مشروع جديد لقانون ضريبة الدخل، وتعهدت بتخفيض سقف إعفاءات ضريبة الدخل للأفراد إلى 6 آلاف دينار بدلا من 12 ألف دينار و12 ألف دينار للعائلة بدلا من 24 ألف دينار.
المسألة لا تقتصر على قانون الضريبة الذي شغل الناس أكثر من غيره من البنود التي تضمنتها الرسالة التي تكشف أن الحكومة تعهدت بتحصيل مبلغ ضخم خلال العام المقبل يقدر بحوالي 483 مليون دينار، تتوزع على: 60 مليونا من ضريبة المبيعات على السلع والخدمات، و72 مليونا من الرسوم الجمركية، وفقط 50 مليونا من ضريبة الدخل، و120 مليون دينار من رسوم الوقود، إضافة الى 181 مليونا أدرجتها تحت بند أخرى، وهذه "الأخرى" وحدها كفيلة بجعل كل الأبواب مفتوحة للجباية.
الفكرة أن قانون الضريبة الذي شغل الناس والإيراد المتوقع من إقراره ليس سوى فيض من غيض، وأن باقي ما تخطط له الحكومة ما يزال غير معلوم للناس.
مرة أخرى تخطئ الحكومة حين تستخفّ بوعي الناس وعقولهم، وتسعى لخداعهم بإخفاء المعلومات عنهم، واعتياد سياسة الالتواء، بدلا من الصراحة والشفافية والحوار العقلاني، الذي كان يفترض أن يبدأ منذ بداية العام الحالي.
من يتحمل المسؤولية؟ ولماذا تخدعون الناس عن سبق إصرار وتصميم؟ ولماذا الخشية من الصراحة والمواجهة مع المجتمع إن كانت الحكومة تظن أنها قامت بدورها ودرست الوضع جيدا قبل أن تلتزم للصندوق وتكون بهذا الكرم مع المؤسسة الدولية ولو كان ذلك على حساب الناس!
ثم أين هو الفريق الاقتصادي بدءا من وزير التخطيط والتعاون الدولي من كل هذا وهو المسؤول عن ملف التنمية، ولماذا لم يتحدث لنا ملحس وفريز بصراحة، أقله كما تعاملا مع الصندوق، ولماذا يبقى الاستخفاف بعقل المواطن قائما، وكأنه شريك في الغرم فقط، أو كأنه قاصر والحكومات هي الوحيدة المؤهلة لتحديد مصيره.
يا سادة؛ عليكم أن تعلموا ان المواطن شريك بكل شيء فهو الذي يمول خزينتكم، وهو الذي يسدد من جيبه ما قيمته 6.7 مليار دينار وأنتم تخططون لزيادتها لتصل 7.2 مليار دينار سنويا، أفلا تظنون أن كل ما يدفعه يؤهله ليكون شريكا في القرار؟