الرئيسية مقالات واراء
تنبه الملك عبدالله الثاني مبكرا لتنامي دور روسيا في المنطقة، وعودتها القوية لمسرح الأحداث العالمي مع وصول الرئيس فلاديمير بوتين لسدة القيادة. وبالرغم من تموضع الأردن التاريخي في التحالف الغربي بقيادة واشنطن إلا أن ذلك لم يحل دون بناء علاقات متينة ومستقرة مع موسكو، طالت كافة أشكال التعاون الثنائي والإقليمي.
الزعامة السياسية لعبت دورا أساسيا في هذا الشأن وأعني الصلة الشخصية القوية بين الملك وبوتين وتشاطر نفس الأفكار والرؤى حول قضايا إقليمية وعالمية.
ومثلت الأزمة السورية اختبارا ناجحا لعمق العلاقات بين البلدين، وكان الملك عبدالله الثاني من بين القادة القلائل في العالم الذين راهنوا على أن تدخل روسيا في سورية سيساعد في تحقيق الاستقرار، وتهيئة الظروف لحل الأزمة سياسيا وفق تفاهمات جنيف.
رهان الملك كان في محله، فقد اتخذت الأحداث في سورية منحى إيجابيا بعد التدخل الروسي. وبينما انخرط الأردن في تحالف دولي لمحاربة الجماعات الإرهابية في سورية بقيادة الولايات المتحدة، صاغ أجندة مشتركة مع موسكو لتحقيق نفس الغاية، وضمن على أساسها تحييد جنوب سورية من دائرة الصراع، وبلغ هذا التفاهم حده الأعلى بتوقيع اتفاق عمان لوقف إطلاق النار بين الأردن وروسيا وأميركا، وتأسيس غرفة عمليات مشتركة هي الأولى من نوعها في المنطقة تجمع خبراء عسكريين روسا واميركان إلى جانب نظرائهم الأردنيين لمراقبة وقف إطلاق النار في ثلاث محافظات سورية، والتخطيط لعمليات إنسانية وإغاثية مستقبلا، وصولا إلى تفاهمات أكبر وأشمل في عموم مناطق سورية.
لا يتمتع الأردن بميزات كالتي تحوزها دول الخليج الغنية، تفتح شهية موسكو على التعاون الاقتصادي، لكن الدور المهم الذي يلعبه الأردن في استقرار وأمن المنطقة وتأثيره الإيجابي على الوضع في سورية منحاه ميزة تفضيلية في العلاقة مع روسيا. وحتى على مستوى التعاون الثنائي نسج البلدان مبكرا صلات قوية أعطت للمستثمرين من البلدين فرصا مهمة لتبادل المنفعة. وعلى الرغم من التعقيدات المالية التي تواجه مشروع التعاون النووي، إلا أن هناك عزما من الطرفين على مواصلة العمل، إضافة إلى النمو الذي يشهده قطاع التجارة بين البلدين، فمنذ سنوات تمكنت الخضراوات الأردنية من دخول السوق الروسي، ناهيك عن التعاون المثمر في مجالات التصنيع العسكري.
وخلال العقد الأخير لم تشهد العلاقة بين البلدين أي أزمات أو إشكالات تذكر، واستمرت وتيرة الزيارات المتبادلة على مختلف المستويات. موسكو وبفعل دورها المحوري في المنطقة أصبحت محطة دائمة لوزير الخارجية الأردني "السابق والحالي". واليوم يحل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضيفا على عمان، في خطوة تعكس المستوى المتقدم للعلاقات الثنائية.
ولكون برامج التعاون الثنائي والإقليمي بين العاصمتين تمضي بشكل سلس وتحقق النتائج المطلوبة، يتوقع لهذه الزيارة أن تفضي إلى مزيد من النتائج العملية الملموسة، خصوصا في الميدان السوري. فالبلدان يعملان عن كثب لتكريس خفض التصعيد في الجنوب السوري واقعا دائما، والانتقال لمرحلة المفاوضات المباشرة في جنيف بين وفدي النظام والمعارضة.
وحسب تقديرات محللين روس ستساعد زيارة لافروف إلى عمان بتسريع خطوات فتح المعبر الحدودي بين الأردن وسورية.