الرئيسية مقالات واراء
عندما يدور الحديث عن التهرب الضريبي فإن الأصابع العشرة تمتد نحو الحي الطبي في عمان وتتخطاه لتطال مكاتب كبار المحامين والمهندسين.
يشير تقرير للزملاء في"بترا" نشرته "الغد" بالأمس إلى أن مجموع الإيرادات الضريبية من 150 ألفا من المهنيين والشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة بلغ في العام الماضي حوالي 75 مليون دينار، أي بواقع 400-450 دينارا سنويا للشركة الواحدة. التقرير استند لدراسة قيمة أصدرها مؤخرا منتدى الاستراتيجيات الأردني.
الحكومات المتعاقبة والتعديلات المتواترة على قانون ضريبة الدخل أخفقت في الوصول إلى الحسابات الحقيقية لهذه الفئات وتقدير مداخيلها السنوية، في وقت قدرت فيه مصادر حكومية حجم التهرب الضريبي بنحو 800 مليون دينار سنويا.
وسائل التهرب الضريبي متنوعة حسب مطلعين؛ الأطباء يعالجون بدون فواتير، والدفع نقدا خارج نطاق المستشفيات بمعرفة وتدبير إدارات تلك المستشفيات. التلاعب ببطاقة المستورد من قبل التجار المستوردين. المزاعم بهذا الخصوص تشمل المحامين والمهندسين أيضا، وفئات أخرى تملك من الدهاء ما يمكنها من إخفاء حقيقة مداخيلها.
لم يكن لهؤلاء أن يفلتوا من المساءلة الضريبية بسبب ذكائهم فقط، بل هناك بكل تأكيد تهاون وتواطؤ من طرف السلطات الرسمية التي تملك من الوسائل ما يمكنها من ضبط عشرات المتهربين بالجرم المشهود ومحاسبتهم على تهربهم. وفي هذا الصدد يتردد كلام كثير لانملك أدلة قاطعة عليه عن رشى تدفع للتستر على التهرب الضريبي من قبل كبار المهنيين والتجار.
إن نظرة سريعة على أرباح القطاع الطبي على سبيل المثال وثروات البارزين فيه تكفي للإقرار بوجود تهرب ضريبي وبمبالغ ضخمة، إذ لا يعقل أن طبيبا مشهورا لايدفع أكثر من عشرة آلاف دينار في السنة بينما دخله يتجاوز دخل عشرة آلاف موظف.
في المستشفيات الخاصة يصنف المرضى لنوعين، الأول"مريض تأمين" يحظى بعناية من الدرجة الثانية، "ومريض كاش" مدلل يحصل على الخدمة بسرعة قياسية. أصل التمييز بين المرضى كما يقال هو أن مريض الكاش يسهّل على الأطباء والمختصين التهرب من دفع الضريبة، ناهيك عن توفير المبالغ نقدا بدلا من ملاحقة شركات التأمين لأشهر طويلة في حالة "مرضى التأمين".
لايمكن للمواطن "الغلبان" أن يقتنع بتوجه الحكومة لتوسيع قاعدة الشمول الضريبي قبل أن يرى القانون مطبقا على كبار المكلفين والمتهربين منهم.
حكومة الملقي قررت منذ أسابيع تأسيس دائرة للتحقيقات الضريبية، وظيفتها متابعة حالات التهرب من دفع الضرائب والجمارك واموال الدولة. وأعتقد أن تفعيل دور هذه الدائرة ومنحها صلاحيات التفتيش على الحسابات البنكية للمكلفين، ومراقبة عمل دوائر المالية في المستشفيات والشركات الهندسية ومراجعة عقودها، سيساعد إلى حد كبير في الحد من التهرب الضريبي، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات وتطبيقها بشكل صارم.
الحي الطبي الذي تدور حوله الشبهات حظي بعناية خاصة من أمانة عمان، حيث أنفقت مبالغ طائلة لإعادة تنظيمه وتحديثه لتسهيل حركة المراجعين. على الأقل فليدفع سكانه كلفة الترميم هذه التي انعكست بشكل طيب على جيوبهم.