الرئيسية مقالات واراء
أوكل الملك عبدالله الثاني لولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله مهمة إلقاء كلمة الأردن في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقد حاليا في نيويورك.
ربما كان هدف جلالته من وراء هذه المبادرة أن يسمع قادة العالم وأصحاب القرار المجتمعين، صوتا آخر من المنطقة؛ صوت الجيل الشاب الذي يكابد الصراعات المحتدمة في إقليمنا ويكافح لتجاوزها أملا بمستقبل أفضل. جيل يمثل الأغلبية الساحقة في المجتمعات العالمية، وتربطه قواسم مشتركة لم تتوفر للأجيال السابقة، بفضل ثورة المعرفة والتكنولوجيا.
ولي العهد يمثل هذا الجيل، وكانت بداية علاقاته مع الأمم المتحدة مبادرة شبابية أطلقها قبل عامين وتبنتها أخيرا 22 دولة.
كان خطاب الأمير مجبولا بالأسى والخيبة من موقف المجتمع الدولي حيال الصراعات الجارية في المنطقة، وتخليه عن دعمه لدول في مقدمتها الأردن؛ عانت الويلات من حروب وفوضى لا يد لها فيها كما قال، وتحملت نيابة عن العالم إفرازات الصراع القاتلة.
اجتهد الأمير ليبدو دبلوماسيا في خطابه، لكنه كان مصمما على طرح أسئلة الشارع الأردني والعربي على مسامع قادة العالم بكل صراحة ووضوح، ومحاكمة الطريقة التي تصوغ فيها الدول الكبرى سياساتها تجاه الشرق الأوسط.
من منا لم يسأل سؤال ولي العهد عن السر الكامن وراء صفقات التسليح بترليونات الدولارات، بينما يعجز المجتمع الدولي عن توفير عشر هذا المبلغ الفلكي لمساعدة الدول المنكوبة بالصراعات، ودعم اقتصادات المجتمعات التي تعاني جراء استضافة ملايين اللاجئين، ويرزح اقتصادها تحت حصار فرضته الأوضاع الأمنية المتدهورة؟
لقد سئمنا حقا الكلام عن كون الفرد منا يتلقى أكبر قدر من المساعدات عالميا، بينما لم يتوقف أحد عند السؤال الذي طرحه الحسين في خطابه؛ كم من بلد يتحمل على مستوى الفرد هذا الكم من الصدمات الخارجية ويساهم في الأمن والسلام العالميين مثل المواطن الأردني؟
صحيح أننا نتلقى مساعدات تعيننا على تحمل هذه المسؤوليات، لكنها لا تساوي ربع ما نقدمه. الكلام الطيب مثلما قال سموه لا يدعم الموازنة المثقلة بالعجز والديون، ولا يبني المدارس المكتظة بعشرات الآلاف من الطلاب اللاجئين، ولا يوفر فرص العمل للشباب الباحثين عن الوظائف.
تجاوز خطاب الأمير السرديات التقليدية للسياسة الأردنية، فلم يتوقف بشكل تفصيلي عند مواقف الأردن من قضايا المنطقة، واكتفى بإشارات موجزة حول قضايا ذات أولوية كبرى مثل القضية الفلسطينية. وفي هذا الخصوص عكس حديثه حالة عدم التفاؤل بقرب حلها حلا عادلا. فالخطاب كله ركز على رصد وتشخيص المعاناة الأردنية من صراعات الإقليم، وضعف الاستجابة الأممية لاحتياجات الأردن في المجالات الاقتصادية والتنموية، و"وضعية الصمت" التي يتخذها المجتمع الدولي حيال هذه المعاناة.
لا يمكن لبلد مثل الأردن ينفق ربع موازنته على الكلفة المباشرة للأزمة السورية وحدها أن يخاطب العالم بدبلوماسية لبقة بعد سبع سنوات من المواجهة المباشرة مع التحديات. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فلربما تضطر القيادة السياسية لتغيير سياساتها وليس لهجة خطابها فقط.