الرئيسية مقالات واراء
احمد حسن الزعبي
في أول المشاتي كان إذا ما صعد احدهم إلى ظهر «الغرفتين صفّ» ليثبّت مزراباً جديداً ،تجد نصف الحارة تقف لترشده كيف يثبّت المزراب ، «خليّه متهبّط» ،»دير وجهه لمشرّق»، «لا لقبلة أحسن»، «وسّع بابه» ، «مُطّه لقدّام»..مع أن المزراب لا يتكوّن سوى من بوري اسطواني من التنك لا يحتاج إلى كل هذه الإرشادات من الخبراء الدوليين في تكنولوجيا المزاريب.
إذا صدمت سيارة (190) محوّل كهرباء وقطع التيار عن المدينة كلها ، تكتشف ان جميع السكان هرعوا إلى المحوّل ليلاً ليروا كيف «هوّر» السائق الغشيم وضرب المحوّل، لا بل تذهب الحادثة تأريخاً في عمر المدينة ، «سنة ما اتدّحم مصطفى فغاغا المحوّل»..و»ليلة ما فات جدّك بالمحوّل»..حتى الذرية الصالحة التي تأتي للدنيا سيحملون مرغمين لقب الحادثة ..أولاد مين هظول ؟؟ «هظول أولاد اللي اتدحّم المحوّل»..
كانت الناس تحب أن تساعد، تحب أن تطمئن،لا تريد أن تترك الجار يقرر أو يدير شؤونه وحده، مثلاً زمن البث الأرضي إذا ما أراد أحدهم أن ينصب «شبكة» تجد أولاد الحي من «القرع» يحملون «بلوك 20» ويساهمون في تثبيت ساق الشبكة الأوحد، وكل من لديه «سلك تربيط» يرميه للجار محدث النعمة ، الماسورة الطويلة كفيلة أن تلتقط ذبذبات ناسا لكنها بالغالب تعجز عن توضيح وجه محمود المليجي في التلفاز المزروع بالنمش الإليكتروني..وكلما صادف أحدهم صاحب الشبكة يلاقيه بابتسامة عريضة «شو مركّب شبكة»؟..»مبروكة الشبكة»؟..»تعال سولف لنا عن الشبكة»..»بالله قدّيش كلفتك الشبكة»؟ وإذا كان الرجل مديناً لأحد الميسورين في الحي..فإنه سبواجه بسيل من «الهمرات» و»الغمغمات»..»ملعون هيك هيك للي مزطه..ما يسدّ اللي عليه بدل ما يركّب شبكة» ،كما كانت الشبكة مصدر تفاخر لصاحب الانجاز: «أني أول واحد ركّب شبكة» بالحارة ..كان تركيب الشبكة في زمن صحون و»صدورة الألمنيوم» المثبتة فوق سطوح البيوت ، يعدّ بطراً وقفزاً عن أساسيات الحياة التي يرفضها ضمير الحي الجمعي...وفي نفس الوقت كانت الناس تهتم ببعضها بعضاً وترصد التغييرات مهما كانت طفيفة في حياة الآخرين..الآن لم يعد هناك ما يثير الدهشة أو الاهتمام أو التعليق ..وبرغم انتقال مفهوم «مركّب شبكة» من المفهوم الترفي الى المفهوم الطبي ومن سطح البيت إلى داخل الصدر بعمليات أكثر دقة و أبلغ خطورة مع ذلك لا تجد من يسأله عن صحّته أو يعطيه قائمة بالإرشادات أو يساعده في حمل الحاجيات أو «توصيلة» مجانية في السيارة..لا بل صار الجواب أكثر جفاء ، ويقارن بين القلب أعضاء أخرى قليلة الأهمية عند السؤال...
صحيح فلان مركّب شبكة؟؟ ما يركّب شو أسوي له!!...والله «...» عايفها!.