الرئيسية مقالات واراء
كنا، كإعلاميين، نحبذ لو أن أرقام ونسب الطبقة الوسطى المنشورة في تقرير موسع يوم أمس وضمن دراسة غير علمية، يكون مصدرها حكوميا اعتمد على خبراء ومختصين في الدراسات والأبحاث، فنحن، في نهاية المطاف، صحافيون ولسنا خبراء دراسات ومسوحات.
التقرير أعدته الزميلة سماح بيبرس في الدائرة الاقتصادية، وبذلت فيه جهودا كبيرة كونها اعتمدت على مبدأ القياس على دراسات سابقة تتعلق بالطبقة الوسطى؛ الأولى أعدها الوزير السابق د. إبراهيم سيف وتحدد نسب تلك الطبقة وأوضاعها في العام 2008، فيما الدراسة الثانية تمت في عهد مدير مكتب الملك الحالي د. جعفر حسان حين كان وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي، وتمت في العام 2010.
المهم بعد ذلك، أنه ولحوالي ستة أعوام، لم تجر أي دراسة تحديثية لتحدد لنا مصير الطبقة الوسطي وما حل بها عقب كل القرارات الاقتصادية الصعبة والأزمة القاسية التي ألمّت بالاقتصاد الوطني لأسباب محلية وأخرى إقليمية.
ونتيجة لغياب الأرقام، اجتهدت "الغد" وسعت لتوفير بيانات جديدة تقر أنها قد تحتمل هامشا محدودا من الخطأ، حيث توصلت "الغد"، قياسا على دراسات رسمية سابقة، إلى أن حجم الطبقة الوسطى يقدّر، وفق مسح دخل ونفقات الأسرة للعام 2013 / 2014، بحوالي 27.8 % من المجتمع، و29.9 % من المجتمع من طبقة الدخل المحدود، فيما نسبة الطبقة الفقيرة والمعرضة للفقر بلغت 23.2 %.
بينت نتيجة دراسة "الغد" أن الطبقة الوسطى انحسرت أكثر خلال الفترة الماضية، والانحسار مستمر نتيجة الأحوال القاسية، إذ قدرت نسبتها في دراسة 2008 بحوالي 41 %، فيما انخفضت في 2010 إلى نحو 29 %، وتبلغ الآن نسبا أقل.
لست بصدد شرح وتقديم أرقام التقرير في معرض مقالي، فهي متوفرة في عدد يوم أمس، لكن النتائج المتوفرة فيها تؤكد أن الطبقة الوسطى عماد الاستقرار والتوازن والتغيير وتطوير المجتمعات في انحسار، ما يحتاج إلى رؤية حقيقية وعملية لحماية هذه الطبقة.
ثم إن عدم توفر دراسات وأرقام حديثة بهذا الخصوص يقودنا إلى سؤال كبير: كيف تخطط الدولة لحماية هذه الشريحة، وما حجم الفجوة بين الواقع والدراسات والخطط الرسمية، وكيف لكل الخطط أن تمس الوجع وتخفف منه إن كانت لا تقف على حجمه الحقيقي؟
الرسالة الأكثر حساسية تتوجه إلى الدور الحقيقي لمؤسسات مثل دائرة الإحصاءات العامة ودورها في هذا السياق إن لم توفر لنا نسبا وبيانات وتوصيفا حقيقيا للفقراء ومتوسطي الدخل في الأردن! فمثل هذه الأرقام لا تتوقف أهميتها عند الجانب الاقتصادي والمالي بل تتجاوزه باعتبارها ركائز مهمة للأمن الاقتصادي والاجتماعي، وأساسات مهمة في منظومة الأمن الشامل، كونها تحقق الأمن المعلوماتي الذي يضمن التخطيط السليم لإدارة المراحل الصعبة والدقيقة التي نعبرها.
في "الغد" اجتهد الصحافيون، ومن اجتهد وأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر، لكن ذلك لا يغني عن وجود بيانات رسمية تقف على حجم المشكلات وتشخّصها تماما، لتعين المخطط على الاقتراب أكثر من واقع الحال بدلا من خطط تقوم على أرقام ونسب غير متوفرة أصلا.
ما يجري حول أرقام الطبقة والوسطى وتأخر توفيرها يذكرنا بتجربة التعداد السكاني الأخيرة التي دارت حولها العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام، فهل نراجع الحال القائم، ونعيد الحسابات لكل شيء، فآخر أنباء الطبقة الوسطى تقول إنها ليست بخير!