الرئيسية مقالات واراء
الورقة التي أعدّها القيادي الإخواني البارز زكي بني ارشيد، وتحدّث فيها عن ضرورة المراجعة الذاتية، وعن إعادة هيكلة وضع الإخوان وجبهة العمل الإسلامي، وعن المضي في مراجعات تتعلّق بفصل الدعَوي عن السياسي وعن مفهوم المواطنة، وقضايا الفن والأدب والتعددية الفكرية والسياسية، .. الخ، هي – أي الورقة- أقرب إلى ما يمكن أن يكون اشتباكاً مباشراً وسافراً مع خطوط حمراء تقليدية لدى جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي في الأردن.
مع ذلك، فإنّ بني ارشيد الذي كان يعدّ دوماً صقراً من صقور الجماعة (وفي رأيي أنّه توصيف خاطئ مرتبط بالتباسات وتعقيدات الأزمة داخل الجماعة) يدرك تماماً أنّ ما كان يعتبر "محرّماً" الخوض فيه لدى قيادات وشريحة واسعة في الجماعة لم يعد كذلك، بعد أن فتحت الباب على ذلك حركات إسلامية أخرى، مثل حركة حماس الفلسطينية، التي أعادت النظر في وثيقتها السياسية بقضايا جوهرية وأساسية في أيديولوجيتها، وحركة النهضة التونسية وحزب العدالة والتنمية المغربي.
الورقة الجديدة لبني ارشيد، كما يؤكّد هو، ليست خارج سياق تفكير جدّي من قبل الجماعة والحزب على السواء في إعادة هيكلة كاملة ومراجعة كبيرة تجري في أروقتهما، جزء منها التعديلات التي حدثت على النظام الأساسي للحزب، وجزء آخر منها مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين وجملة من المفاهيم الحاكمة التي سارت عليها الجماعة خلال العقود الماضية.
بعد هذه الخلفية التاريخية، هناك ثلاثة أمور مرتبطة بمقالة بني ارشيد، من الضروري أن نأخذها بعين الاعتبار، ونحن نرصد التطورات التي تحدث حالياً في أوساط الإخوان.
الأمر الأول؛ إلى أين يمكن أن تصل وتسير هذه المراجعات والهيكلة المطروحة، هل يمكن بالفعل أن تقوم الجماعة بإعادة تكييف أوضاعها القانونية، بوصفها جمعية دعوية أو خيرية، وأن تترك العمل السياسي بالكلية لجهة جبهة العمل الإسلامي، ويتحرر من الهيمنة الكبيرة التي كانت تمارسها الجماعة عليه خلال المرحلة السابقة، مثل هذا التحوّل بحاجة إلى توافقات كبيرة وتغير في العقلية الفكرية والتنظيمية في أوساط الجماعة، ليس واضحاً بعد فيما إذا كان هنالك تقبل عميق لها.
فوق هذا وذاك ما يطرحه بني ارشيد يصيب بنية مفاهيمية راسخة يقوم بهزّها، وقد بدأ ذلك فعلاً مسبقاً عندما تحدث في مقالة له في الجزيرة نت عن مفهوم الدولة المدنية وتأييدها، ولقي رفضاً من قطاع في الجبهة والإخوان، فكيف الحال ونحن نتحدث عن فصل الدعوي عن السياسي ومفهوم المواطنة والتعددية الفكرية والسياسية والموقف من الفن.
أي أنّه – أي بني ارشيد- يدفع باتجاه "انقلاب فكري" في أوساط الجماعة، فإمّا أنّها عملية انتحارية أو أنّه يستطيع أن يمسك بزمام المبادرة ويكون بمثابة "رجل المرحلة" الذي يعبر بالحركة في آتون المرحلة الانتقالية!
الأمر الثاني، بطبيعة الحال، مرتبط بتوجه الدولة، ومن الواضح أنّ هنالك إصراراً رسمياً على عدم التعامل أو تجاهل الإخوان والجبهة، والإصرار على أجندة رفض الحوار المباشر، فهل يمكن إعادة النظر في هذا الموقف، ضمن معطيات الأزمة الداخلية والمتغيرات الإقليمية والتأسيس لمرحلة جديدة أفضل!
الأمر الثالث يرتبط بمضمون الخلاف بين الجبهة والجماعة من جهة والأحزاب التي انشقت عنها من جهة أخرى، الإنقاذ والشراكة، الوسط، زمزم، جمعية الإخوان المرخصة، فما يدفع نحوه بني ارشيد هو ما كان يطالب به المستقيلون والمفصولون، واتّهموا من أجله بأبشع التهم وتمّ تشويه صورتهم في أوساط الجماعة والجبهة، في الأعوام الماضية، فهل في ذلك ردّ اعتبار ضمني لهم، أمّ أنّ المسكوت عنه في الخلاف لا يتعلّق بالأفكار والطروحات، وهو الأرجح؟!