الرئيسية مقالات واراء
آجلا أم عاجلا ستضطر الحكومة للتراجع عن خططها المعلنة لإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة.
القطاع الزراعي الذي استهدفته خطط الحكومة يواجه نقصا كبيرا في العمالة بعد تقييد استقدام العمالة الوافدة وزيادة رسوم تصاريح العمل.
قبل يومين فقط اجتمع مزارعون وممثلو جمعيات واتحادات زراعية في مجمع النقابات المهنية بعمان، وهددوا بوقف توريد الخضار للأسواق المركزية، احتجاجا على هذه السياسة، معتبرين قرار الحكومة تصويب وضع العمالة الوافدة وما رافقه من وقف استقدام أضرّ بعمل المزارعين وقلص المساحات المزروعة وأدى لشح الإنتاج وارتفاع أسعار الخضار.
معنى هذا الكلام أن شعار إحلال العمالة الوطنية مكان الوافدة الذي طالما تغنت فيه الحكومات، ورفعته المعارضة في وجهها باعتباره حلا جذريا لمشكلة البطالة، هو شعار فاشل وغير قابل للتطبيق، وأكثر من ذلك لايخدم المصلحة الوطنية، بدليل مايقوله المزارعون عن ارتفاع للأسعار وتقليص لمساحة الأراضي الزراعية بسبب نقص العمالة الوافدة.
ليس من السهولة على الداعين لاستبدال العمالة الوافدة بعمالة وطنية، دحض حجج المزارعين وجوهرها أن القطاع الزراعي ليس جذابا للعمالة المحلية أو السورية، فرغم المحاولات لتحفيز الأردنيين على العمل في القطاع الزراعي، إلا ان مستوى الاستجابة ضعيف للغاية، فيما يفضل العمال السوريون العمل في المهن التي تتطلب مهارات أعلى.
سعت الحكومة من وراء زيادة رسوم تصاريح العمل، لدعم إيرادات الخزينة من جهة، ودفع المستثمرين في مختلف القطاعات لتشغيل الأردنيين بدل الوافدين. على صعيد الإيرادات لابد أن الخزينة حققت دخلا إضافيا، لكن أصحاب الأعمال بدورهم نقلوا هذا العبء لجيوب المواطنين. اما على المستوى الثاني فلم تحدث هذه السياسة أي فرق على صعيد تشغيل الأردنيين، فالعامل الأردني مايزال يفضل البطالة على الشغل بمهن جديدة واقتحام سوق العمل حتى لو كان بمردود مادي قليل، يقبل به العامل الوافد دون تردد.
للمسألة جذر ثقافي دون شك، فالأردنيون تعودوا على العمل بوظائف حكومية ومكتبية لاتتطلب بذل جهد بدني، ناهيك عن كون العمل بالمهن الزراعية لايوفر تأمينا صحيا ولاضمانا اجتماعيا.
وينطبق الأمر ذاته على العمل في قطاع الإنشاءات رغم مردوده المرتفع. لايقل أجر العامل في المهن التي لاتتطلب مهارة في هذا المجال عن عشرين دينارا يوميا، ومع ذلك يندر أن تجد عاملا أردنيا بين عمال الورش الإنشائية، وكذا الحال في أعمال الطراشة والقصارة والبلاط التي تدر مردودا عاليا.
علينا أن نجري مراجعة جذرية لسياساتنا وشعاراتنا فيما يتعلق بموضوع التشغيل وجدلية العمالة المحلية والوافدة. من الواضح أن الانطباعات التي نحملها في هذا الشأن لاتصمد أمام الاختبار العملي، وأن مشكلة الإحلال في سوق العمل ليست مجرد نقص إرادة ووطنية عند الحكومات والقائمين عليها، فهناك قدر كبير من التعقيدات التي تعترض تطبيق هذه السياسة تخص المجتمع وقطاع الأعمال في الأردن.
إذا أردنا بعد اليوم التمسك بشعار تشغيل العمال الأردنيين بدلا من الوافدين فعلينا أن نتوجه بخطابنا إلى المزارعين واتحاداتهم وجمعياتهم وليس الحكومة، لأن هؤلاء هم من يحتجون اليوم على هذا الشعار ويرفضون تطبيقه لاعتبارات لايمكن تجاهلها أبدا.