الرئيسية مقالات واراء
كان رد الفعل الغاضب على حادثة ضرب أستاذ جامعي من قبل أفراد الأمن العام، متوقعا وفي السياق الطبيعي. صحيح أنه اتخذ طابعا عشائريا بحكم طبيعة المجتمع، لكنه مماثل تماما في شكله للاحتجاجات التي نشهدها على حوادث مشابهة وقعت في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة، اتسع نطاقها أحيانا لتشمل مدنا كبرى انتفضت على سلوك رجال الشرطة بحق المواطنين السود.
وأحسب أن الإجراءات التي اتخذتها مديرية الأمن العام ردا على هذه التجاوزات، فاقت في سرعتها وجديتها إجراءات دولة تحكمها سلطة القانون مثل أميركا التي برّأت محاكمها رجل شرطة وثّقت الكاميرات جريمته بقتل مواطن أميركي أسود بالرصاص، وشرطي آخر انهال بالضرب على فتى مراهق.
في أربد بعد ساعات قليلة على انتشار الفيديو الصادم للاعتداء الوحشي على المواطن الذيابات، كان المتورطون في الحادث قيد التوقيف والتحقيق. صاحب ذلك صدور بيان من مدير الأمن العام يدين هذا السلوك ويتوعد مرتكبيه بأشد العقوبات.
وحتى يوم أمس وصل عدد الموقوفين إلى 13 رجل أمن من مختلف الرتب.
ما من شك أن سمعة جهاز الأمن العام قد تضررت بشكل كبير جراء هذا السلوك المشين لبضعة أفراد، والقائمون على إدارة الجهاز يدركون ذلك، وحاولوا تدارك الموقف واحتواء الغضب "الرمثاوي" بسلسلة من الإجراءات الصارمة.
ربما يكون جهاز الأمن نجح بتطويق الحادثة، والمؤكد أن من يثبت تورطهم من خلال التحقيقات سيحالون للمحكمة الشرطية لينالوا عقابهم.
لكنّ المسؤولين على قناعة بأن ما حصل في بحث جنائي أربد ليس حادثة معزولة، فهناك حوادث مشابهة وقعت من قبل، ورغم كل الإجراءات المتخذة، فما من سبب يدعونا للاعتقاد بعدم تكرارها مستقبلا. هذا هو الحال في معظم أجهزة الأمن في العالم، المهم هو تفعيل آليات المحاسبة والمساءلة وضمان تأهيل الأفراد لممارسة عملهم وفق حدود السلطة التي يخولّها لهم القانون.
وفي ذات الوقت لا ينبغي أبدا أن توظف الحادثة لتدشين حملات لشيطنة رجال الأمن وجهازهم، والحطّ من مكانته في عيون الناس. فليس مقبولا على الإطلاق محاكمة جهاز يضم عشرات الآلاف بسبب سلوك شاذ لبضعة أفراد.
فمقابل التصرف المسيء هذا يمكن لكل مواطن أن يستذكر عشرات المواقف المشرّفة لرجال الأمن العام في الميدان، وشجاعتهم في تقديم المساعدة الفردية والجماعية، ناهيك عن كفاءة أفراد البحث الجنائي المشهودة في سرعة كشف الجرائم وإعادة الحقوق لأصحابها.
بعض ما سمعناه من كلام عن الأمن العام كان ظالما بحق وغير منصف، وينطوي على محاولة خبيثة لتصوير عناصره كأفراد عصابات.
لكن الجهاز كما قلت أمام تحدٍ كبير لتجاوز الآثار السلبية التي لحقت بمكانته بعد حادثة أربد، إذ يقتضي الواجب أن ينتقل من حالة الدفاع عن النفس، إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار ما حدث، واعتماد قواعد صارمة وشفافة لمحاسبة المخالفين، دون أن يكون ذلك على حساب دوره في إنفاذ القانون وتطبيقه بنفس القدر من الصرامة والقوة.