الرئيسية مقالات واراء
كتب الدكتور محمد أبو رمان:زيارة الملك أإلى مديرية الأمن العام، بعد حادثة اعتداء رجال الأمن على أستاذ جامعي، ثم الشغب في الرمثا، التي شغلت الرأي العام الأردني، تتوافر على رسائل متعددة ومزدوجة، سواء للأمن العام أو حتى للرأي العام الأردني.الرسالة الأولى للأمن العام، بطبيعة الحال، بالتأكيد على ضرورة أن يتم تأهيل الكوادر وتمكينهم للقيام بمهمتهم على الوجه المطلوب، وعلى أن يكون جوهر العلاقة بينهم وبين المواطنين مبنياً على الاحترام المتبادل ورسالة الأمن العام حماية المواطن وكرامته وتحقيق مبدأ سيادة القانون.على الطرف المقابل فإنّ الرسالة الأخرى هي للرأي العام بأنّ هذه الحادثة معزولة، ولا يجوز تعميمها على سمعة الرأي العام وصورته، وهو الذي يقدّم غالباً سلوكاً حضارياً مشهوداً، فلا يجوز استثمار هذه الحالة لـ"شيطنته" والإساءة إليه، لأنّ النتيجة ستكون عندئذٍ خطيرة.في الأثناء كانت زيارة وزير الداخلية مع شخصيات أمنية إلى الرمثا وإلى ديوان الذيابات، بالتحديد، وتأكيده على أنّ من قاموا بالاعتداء على الأكاديمي الأردني سيتم محاسبتهم، هي – أي الزيارة- مؤشر مهم على أنّنا نتعلّم من أخطاء الماضي، وأنّ الحكومة بدأت تحرّك ماكينتها السياسية والإعلامية لمعالجة الأزمات قبل أن تتدحرج وتكبر!وعلى هذا المنوال نفسه فإنّ من المهم أن ندرك، نحن الأردنيين، بأنّ المعركة هي معركة سيادة القانون على الجميع، وأنّ المشهد الذي استفز أهالي الرمثا استفزنا جميعاً، وأنّ الاحتجاجات كانت أكبر ومؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي.ليس صحّياً أن تأخذ هذه القصص بعداً جهوياً، أي أن تتحول بين الرمثا والأمن، بل هي قضية قانون ومواطَنة وتجاوزات أمنية غير مقبولة، سواء كان الاعتداء حدث على مواطن من الرمثا أو من الكرك أو من مخيم البقعة أو الوحدات أو حتى على لاجئ سوري، طالما أنّ المسطرة التي نقيس عليها كل تلك الأمور هي القانون والمواطنة والسلوك المتحضّر بين الدولة والمواطنين.في السياق نفسه، أي موضوع الأجهزة الأمنية والشفافية المطلوبة وتحقيق مبدأ المساءلة والمحاسبة وسيادة القانون على الجميع؛ أشار مدير مركز إصلاح سواقة، العقيد عبدالله البدور، في حواره مع "الغد" أمس، إلى أنّ عدد المتورطين في أحداث الشغب التي شهدها مركز إصلاح وتأهيل سواقة من الأمن العام 13 فرداً جرى توقيفهم ويخضعون للتحقيق.ما هو أهم من ذلك، في ظني، إقرار مدير المركز بوجود حالة فوضى وتنمّر على القانون وتجاوزات وظروف غير صحية في مركز الإصلاح، بخاصة لدى السجناء ذوي المدد الطويلة، كل ذلك سبق حادثة الشغب، وما تخللها من ضرب أنفسهم بالمواد الحادة.مثل هذا الحديث الصريح من مدير المركز والاعتراف بوجود المشكلة هو نقطة البداية المطلوبة، ليس فقط في هذا القطاع، بل في أغلب القطاعات، فمشكلتنا دوماً مع المسؤولين الأردنيين أنّهم يفضّلون دفن رأسهم في الرمال، من دون الاعتراف بوجود المشكلات، والبدء بالعلاج. بينما في الحالات التي يتم فيها تشخيص المشكلة والاعتراف بها، تكون بداية الحل والمعالجة، كما حدث في قضايا التنمّر على القانون، خلال الأعوام الماضية، وفي امتحانات الثانوية وغيرها، فمن دون اعتراف وتشخيص للمرض، واكتشاف الجرثومة، لن نفكّر أصلاً في العلاج.من الضروري أن يكون حديث مدير مركز إصلاح وتأهيل سواقة شعلة البدء بالتفكير بصورة جدية وعميقة بـ"مجتمع السجون"، وخطورة ما آل إليه، لنضع تصوراً استراتيجياً لمواجهة ذلك، بخاصة أنّ السجون أصبحت اليوم وكراً من أوكار إنتاج التطرف والجريمة وليس العكس!صحيفة "الغد"