الرئيسية مقالات واراء
ما قالته المعلمة الخريجة مي الحويطات بالنيابة عن زملائها في حفل تخريج دبلوم إعداد المعلمين يعطينا الرسالة الأهم من الفكرة؛ فالمعلمة عبّرت عن التغير الكبير الذي طرأ على منظورها للتعليم، والخبرات الكثيرة التي اكتسبتها خلال عام من الدراسة.
الأهم ما باتت تستشعره حويطات وزملاؤها من قيمة لمهنتهم العظيمة على مستقبل الأجيال، والإيمان بدورهم في بناء الأردن الذي يريده المخلصون. كما لا ننسى محاولة استعادة النظرة القديمة للتعليم كمهنة جليلة، وإعادة الهيبة للمعلم بعد أن أدركته سنوات عجاف.
بتخريج الفوج الأول من أساتذة ومديرين من دبلوم إعداد وتأهيل المعلمين قبل الخدمة في مرحلته الأولى، يكون الأردن وضع قدمه على أول الطريق لإصلاح التعليم، من خلال توجيه الجهد الأكبر نحو المعلم الذي هو الأساس في العملية، فتعديل الكتب المدرسية وتحسين البيئة الصفية لن يكونا نافعين بدون معلم قادر ومؤهل. وهذا هو الهدف من تقديم الدبلوم للأساتذة الطلبة حتى يقفوا بثقة وقدرة أمام طلبتهم، وأن يدركوا قدسية المهنة التي يؤدونها.
لا الطبيب ولا المهندس ولا الفنان أو الموسيقي أو الصحافي بأكثر أهمية من المعلم؛ فالمعلم هو الأساس الذي يتخرج كل أولئك من تحت يديه، وهو القادر على بناء إمكانيات وطموحات جميع الأشخاص للمهن، ومن هنا، فتحسين أدوات المعلم وتسليحه بالتدريب المفيد والنافع هو الطريق للتخفيف من كوارث مخرجات نظام التعليم.
في الأردن، وفي عديد تخصصات اقتصادية واجتماعية، وحتى لدى مهنيين وفنيين، نجد الكثير من العيوب ونقاط الضعف، والتعليم وكادره، وتحديدا المعلمين، ليسوا استثناء، بل هم جزء من كل حالة التراجع التي أصابت قدرات الموارد البشرية لدينا في مختلف القطاعات، وإذا كان الانتباه والاهتمام ينصبّ اليوم على تطوير قدرات المعلم، فبلا شك لأن المعلم القادر والمؤهل يستطيع أن يصنع فرقا واضحا في مجتمعه، ويستطيع أن يرفع سوية مهن أخرى كثيرة. وهذا هو منطلق العمل على إعداد المعلمين والمعلمات وتدريبهم وتأهيلهم.
الدبلوم فكرة جديدة تأتي بعد إنهاء المعلم والمعلمة للدراسات العليا، ليعود مجددا للدراسة لكسب نوع مختلف من المهارات التي تحضره للقيام بواجبه بأسلوب متقدم. وهذا الدبلوم كانت أطلقته جلالة الملكة رانيا العبدالله قبل عام، في أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين في عمان، بدعم فني من معهد التربية لكلية لندن الجامعية وبدعم من وزارة التربية والتعليم الأردنية، وبالشراكة مع الجامعة الأردنية ونقابة المعلمين.
ندرك أن ما تم حتى اليوم إنما هو نواة ليس إلا، ولكننا ندرك، أيضا، أهمية البدايات الحقيقية من أجل التغيير، خصوصا حين تتوفر الرغبة والإرادة لتغيير الواقع الذي نعيشه اليوم، وهذا الأمر سيتم من خلال مئات المعلمين الذين سيبدأون بنثر معرفتهم وما اكتسبوه من مهارات جديدة، مع معرفتنا المسبقة أن الرحلة طويلة وتحتاج عملا طويلا ومضنيا.
هناك ٨٠ ألف معلم، هم ثروتنا الوطنية الأهم، من أجل بلدنا ومستقبله، فهؤلاء هم من يحصنون الأجيال ضد التخلف والتطرف، ويحضرونهم للمستقبل بكل ما يحمله من حداثة، وهم، أيضا، من سينتجون مسؤولين مؤهلين قادرين على مواجهة التحديات.
تحقيق ما سبق يتطلب جهدا جماعيا، يتوّج بمبادرة من القطاع الخاص، لأن مثل هذا الهدف يحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة، لتغطية الاحتياجات المطلوبة لتدريب هذا العدد من المعلمين، ضمن خطة زمنية تسرع الإنجاز، المسؤولية مشتركة وبدلا من الاستمرار بالشكوى من ضعف مستوى التعليم ومخرجاته، فإن الشعور بالوطنية الحقة، والاستثمار بمستقبل الأردن، يحتاج لتضافر الجهود.
نعلم أن مشاكل قطاع التعليم لا تنتهي، فهي تركه ثقيلة عبرت عقودا كثيرة وتتطلب عملا وطنيا صادقا. لكن المهم أن نؤمن بأننا قادرون على تجاوز التحديات التي فرضتها حالة التراخي السابقة، وأن نبدأ بالبناء والترميم، وسيكون النجاح حليفنا بالتأكيد.