الرئيسية مقالات واراء
التغيير المتسارع في المملكة العربية السعودية طال ثلاثة مستويات رئيسية.
المستوى الأول داخلي، وهو ما بدأ بشكل ملموس مع تسلم الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد. انقلاب تام على المعادلة التاريخية للحكم، شمل عملية إعادة هيكلة للمؤسسة الدينية الشريك الرئيسي في الحكم، وخطاب الدولة السلفي لصالح خطاب أكثر اعتدالا، ما فتح المجال لاتخاذ قرارات لم تكن ممكنة في السابق أهمها السماح للنساء بقيادة السيارات.
وكان هذا التطور قد ترافق مع تبني برنامج اقتصادي بديل لبرنامج النفط المهيمن على اقتصاد السعودية منذ تأسيسها، والشروع في عمليات خصخصة واسعة لأكبر شركات المملكة.
أما الحدث الأهم على المستوى الداخلي، فهو رفع الحصانة كليا عن الأسرة الحاكمة، وتبدّى ذلك في حملة التوقيفات التي شملت أمراء بارزين في العائلة إلى جانب وزراء ورجال أعمال محسوبين على الحكم تاريخيا.
لقد أنهت هذه الحملة وإلى الأبد وحدة العائلة المالكة التي كانت حتى أسابيع قليلة مبدأ راسخا من مبادئ الحكم في السعودية.
هذا على مستوى البيت السعودي، أما على المستوى الثاني "البيت الخليجي" فقد كسرت السعودية بإجراءاتها ضد دولة قطر الرابطة الخليجية ممثلة بمجلس التعاون الخليجي. لم تعد وحدة دول الخليج شأنا مقدسا في السياسة السعودية، والدليل هذا الإصرار على عزل قطر واستبعادها من عضوية المجلس، لا بل والسعي لتغيير نظامها السياسي إذا ما كان ذلك ممكنا.
منذ ذلك التاريخ الذي تمكنت فيه السعودية من حشد التأييد لقرارها بتجميد عضوية سورية في اجتماعات الجامعة العربية، يمكن القول إن الرياض قد تجاوزت نهائيا الدور القيادي لمصر. وكان هذا هو التغيير على المستوى الثالث "البيت العربي".
كانت القيادة السعودية تحرص في السابق على عدم التقدم على دور مصر في قيادة العمل العربي المشترك، لكن التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الاخيرة، وسقوط نظام حسني مبارك وما حلّ في مصر من بعد، أغرى بالانقلاب على معادلة "الشقيقة الكبرى" التي كان يرددها على الدوام وزير خارجية السعودية المخضرم المرحوم الأمير سعود الفيصل.
توالت الأحداث بعد ذلك لتؤكد جدية السعودية في تبوؤ الدور القيادي في العالم العربي. اليمن كانت مثالا جديدا على هذا التحول، فقد تشكل تحالف عربي للتدخل عسكريا في اليمن بقيادة السعودية، كانت مصر فيه عضوا مثل سائر الدول. واحتلت تقريبا نفس المكانة وربما أقل في تحالف الدول الأربع ضد قطر.
في آخر التطورات الجارية حاليا على الساحة اللبنانية، قررت السعودية ومن طرف واحد قلب معادلة الحكم، دون النظر لموقف مصر. ففي اليوم الذي أعلن فيه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، كان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في شرم الشيخ يستعد للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبدا جليا من تصريحات بري أن القيادة المصرية مثلها مثل نظيرتها اللبنانية سمعت بخبر الاستقالة من قناة "العربية" المملوكة للسعودية.
حتى الآن تتجنب مصر المواجهة مع السياسة السعودية رغم الفتور الواضح في علاقات البلدين. لكن من غير الواضح إن كانت القاهرة ستسلم بالوضع القائم على المدى الطويل.