الرئيسية مقالات واراء
أطّر خطاب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بصورة مختصرة جيدة الرؤية الاستراتيجية العربية في العلاقة مع إيران؛ في اجتماع وزراء الخارجية العرب (أول من أمس في القاهرة) عندما قال "هذه هي الرسالة اليوم: نريد علاقات حسنِ جوارٍ أساسها الاحترام المتبادل، وليس علاقات متوترة مأزومة بسبب التدخلات في الشؤون العربية والأجندات التوسعية والسعي نحو السطوة والهيمنة".
الصفدي، إذاً، وضع أسس العلاقة المطلوبة وتتمثّل في رفض التدخل والهيمنة بالتوازي مع علاقات حسن جوار. هل ذلك ممكن؟ أم أنّ القطار فات على ذلك ودخلنا في نفق حرب إقليمية مباشرة، أو بالوكالة، تأخذ أبعاداً طائفية وداخلية مدمّرة أيضاً؟ والسؤال من المستفيد من مثل هذا الصراع الذي يستنزف الأمن والشعوب ويهرق الدماء والأموال، وفي النهاية لن يكون هنالك منتصر، فالكل مهزوم، حتى وإن تغيرت موازين القوى تارةً لصالح هذا الطرف أو ذاك!
الزملاء الكتّاب السعوديون دأبوا في الآونة الأخيرة على تغميس مرارتهم من موقف عربي، برأيهم غير صارم ومتخاذل تجاه إيران، داخل مقالات تنتقد الإعلام الذي يصف ما يحدث بأنّه صراع سعودي- إيراني، وهو – وفقاً لهم- صراع عربي- إيراني، لأنّ السعودية ليست هي المتأذي رقم (1) أمنياً من النفوذ الإيراني، وإنّما دول عربية!
ذلك صحيح، فالسياسات الإيرانية التوسّعية والطائفية تمسّ الأمن الإقليمي بأسره، وهنالك عملية هيمنة ووصاية على كل من سورية والعراق ولبنان، وتدخلات في اليمن والبحرين، واستنبات ميليشيات عابرة للحدود طائفية تتجاوز معنى السيادة الوطنية لأي دولة، وأصبح لقاسم سليماني اليد الطولى في منطقة الشرق الأوسط.
لكن ترسيم العلاقة مع إيران وتأطيرها يتطلب حواراً مع طهران، أولاً، جلوساً على الطاولة، ونقاشاً واضحاً وصريحاً، لتحديد مستقبل العلاقة بين الشعوب والدول، ومستقبل العالم العربي، والتداخلات التي تحدث بين الأبعاد الطائفية والدينية والعرقية والثقافية بالجيواستراتيجية والسياسية والاقتصادية، لنتفق أو نختلف في النهاية نحن – الدول العربية- والجوار الإيراني، وحتى التركي، الذي أصبح جزءاً من الأمن الإقليمي، ولاعباً فاعلاً في المعادلات الداخلية العربية، ماذا نريد في المستقبل؟ صراع طويل المدى؟ وحرب وجود أم تعايش وسلام وتعددية حضارية ودينية وثقافية؟!
قبل هذا الحوار الاستراتيجي التاريخي العربي- الإيراني، من المفترض أن يجلس العرب مع أنفسهم ويتفاهموا على قواعد الحوار، المصالح المشتركة، الأهداف المرحلية والتاريخية؟ العلاقة بالجوار؟ مصادر التهديد؟ فإذا كانت القضية تتجاوز دولة بعينها وذات بعد قومي أو إقليمي فمن الضروري أن تكون هنالك شراكة استراتيجية حقيقية ورؤية واضحة للمرحلة القادمة.
في كلمته أشار الصفدي إلى هذا الشرط المهم والرئيس (في اجتماع القاهرة) عندما قال "ضروري أن نجتمع اليوم تضامنا مع أشقائنا ورفضا لتهديد أمننا. لكن حماية الأمن القومي العربي تستوجب أكثر من اجتماع طارئ ردا لازما على جريمة فقط. نحمي أمننا العربي بالعمل معا، وفق رؤيةٍ واضحة، وفي سياق مؤسساتي، ممنهج، يحدد التهديدات لأمننا العربي، ويتوافق على آليات التصدي لها. نحتاج عملا عربيا مشتركا. لكن ذلك يجب أن يرتكز إلى تفكير عربي مشترك، وتخطيط عربي مشترك لحماية أمننا القومي العربي، في إطار تعريف شامل للأمن يلبي أيضا متطلبات تحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي".
ودعا الصفدي، في نهاية خطابه، إلى إطلاق هذا الحوار العربي- العربي، ووجه رسائل على أكثر من صعيد، وفي اتجاهات متعددة.