الرئيسية مقالات واراء
كل رقم من أرقام مشروع قانون الموازنة للعام 2018، من الضروري أن تتم مناقشته وتفكيكه، وقراءة الفرضيات التي يتأسس عليها، لأنّه ليس فقط يمسّ حياة كل أردني بل مستقبله والأجيال القادمة، ويتعلّق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي نواجه تداعياتها.
لكنّ ما لفت انتباهي بقراءة عامة في الأرقام أنّ العجز المجمع أو العامّ للحكومة والوحدات الحكومية سيكون 831 مليونا، مقارنة بمليار و 35 مليونا في العام الحالي، أي أنّنا مع كل الإجراءات التي نتحدث عنها من تغيير سياسات الدعم، إلى خفض الإعفاءات الضريبية، ما نزال نتحدث عن أرقام عجز تحوم حول مليار دينار سنوياً، وازدياد مستمر في المديونية!
الأهم من كل ذلك إقرار مشروع الموازنة؛ أنّ معدل النمو المتوقع هو 2.5 % لن يؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل، وإن كان أفضل من الوضع الحالي 2.3 %، بينما سمعت من اقتصادي فهيم أنّ المعدل الحقيقي للنمو العام الحالي هو فقط 2 %.
ذلك يعني أنّ كل ما نتحدث عنه عن إصلاحات هيكلية في الموازنة لا يحدث فروقاً حقيقية في المسار الراهن لا على صعيد إيجاد نقطة تحوّل من الأزمة المالية، بقدر ما إنّ التعريف الصحيح أنّنا نقوم بخطوات تجميلية لإرضاء صندوق النقد الدولي، ولا على صعيد الأزمة الاقتصادية وشبح البطالة الذي يهيمن على حياة الناس، بينما تزداد الضغوط – بسبب هذه الظروف- على الطبقة الوسطى الدنيا، التي تقع تحت طائلة التهديد الحقيقي اليوم لأمنها الاقتصادي والاجتماعي!
أكثر من ذلك فإن المسكوت عنه في مشروع الموازنة هو أنّ جزءاً كبيراً من "النفقات الرأسمالية" هو "غطاء خارجي" لنفقات جارية، بمعنى أنّ المبالغ التي من المفترض أن تخلق المشروعات وتحرّك السوق والقطاعات الراكدة غير دقيقة، بمعنى آخر رواتب القطاع العام ونفقاته تأكل أغلب نفقات الموازنة، في الوقت الذي نشكو فيه من ترهل هذا القطاع، أليست هذه معضلة بحدّ ذاتها!
وفي الوقت الذي يشير فيه وزير المالية عمر ملحس، إلى مواجهة التهرب الضريبي، لا يضع الإجراءات المؤسسية العملية المقنعة لذلك، فيكتفي بترديد كلمات سمعها المواطنون منذ أعوام طويلة.
ضمن هذه المعطيات المجملة، وهنالك العديد من التفاصيل المهمة، أظن أنّنا عالقون، وأنّ من يرسمون السياسات لا يملكون المخرج أو "خريطة الطريق" لإيجاد أفق حقيقي للمستقبل، بقدر ما إنّهم قاموا بصياغة مشروع قانون موازنة لتمرير بعض القرارات (مثل تغيير سياسة دعم الخبز، والطريف أنّهم تجنبوا ذكر ذلك صراحة، كما رصدت زواريب الغد)، أمّا الحال فهو عمل روتيني حكومي، وكأنّنا لسنا في أزمة كبرى Business as Usual!
مثل هذا المشروع لقانون الموازنة العامة للعام 2018، لا يمنحنا الأمل بمؤشرات أفضل، ولا يشير أنّ هنالك أفقاً في نهاية النفق المظلم، ويؤكّد الانطباع العام لدى الشريحة الاجتماعية الواسعة بأنّ المعاناة اليومية لن تنتهي.
هل المشكلة هي في الحجم الكبير من النفقات الجارية! أم المشكلة في الظروف الإقليمية التي تحدّ من فرص النمو الاقتصادي! أم في غياب معايير صارمة لمواجهة التهرب الضريبي بما كان سيوفر مبلغاً كبيراً للموازنة! أم في ضعف القطاع الخاص وعدم قدرته على مواجهة التحديات؟ وهل المساعدات الخارجية المتوقعة والمقدرة بنصف مليار تقريباً مؤكدة أم هي مجرد تخمينات أو تلاعب بالأرقام لإرضاء صندوق النقد الدولي ولعدم كشف الحجم الحقيقي في العجز!
هذه بعض الأسئلة التي تتجاوز الجزئيات إلى نقاش حقيقي في جوهر المشكلة والأزمة، لكن هل هنالك من مسؤول يقول كلمة مفيدة تشرح الأرقام للمواطنين!