الرئيسية مقالات واراء
في خطابه أمام مجلس النواب قدم وزير المالية عمر ملحس عرضا لأهم مؤشرات موازنة الدولة للعام المقبل. كان ملحس صريحا وغير مجامل وعرض الأوضاع المالية على حقيقتها، بما فيها القرارات الصعبة المنتظرة. والمؤكد أن فرضيات الموازنة بشأن العجز والنمو والمديونية ستخضع لنقاش ساخن في أروقة النواب ومنصات الإعلام والسياسة.
لكن النقاش الأولي انصب في معظمه على آلية تعويض المواطنين بدل رفع الدعم عن الخبز وزيادة ضريبة المبيعات على سلة من السلع والخدمات.
الآلية لمن لم يطلع عليها استثنت من الدعم الأسر التي يزيد دخلها على 12 ألف دينار و6 آلاف للفرد ويملك أكثر من سيارتين وعقار أو أرض بقيمة 300 ألف دينار. وسيتم توصيل الدعم لمستحقيه عن طريق البنوك. أما قيمة الدعم التي رصد لها تحت بند جديد "شبكة الأمان الاجتماعي" 171 مليون دينار، فترك الوزير تقرير أمرها لما بعد إقرار مشروع الموازنة، في إشارة إلى رغبة الحكومة بإجراء تسويات بشأنها مع النواب قبل تحديدها بشكل نهائي.
المعايير التي اعتمدت لتحديد مستحقي الدعم من عدمه تضمن من حيث المبدأ شمول أكثر من 90 في المئة من المواطنين، لكن مشكلتها هي في صعوبة قياسها وتقديرها، كما أنها تضع المواطنين تحت رحمة الاجتهادات في تحديد قيمة العقارات والأراضي واحتساب حصص الورثة، ولا تراعي قيمة السيارات التي يملكها المواطن. على سبيل المثال قد تجد عديد مواطنين لا يزيد دخلهم على 12 ألفا لكنهم يملكون سيارة واحدة يعادل ثمنها خمس سيارات صغيرة من موديلات قديمة.
تطبيق هذه المعايير معقد جدا، وسيخلق نزاعات وتظلمات بالآلاف من قبل مواطنين سيحرمون من الدعم، وسينشأ عن ذلك الوضع حالة احتقانٍ، الحكومة في غنى عنها.
من البداية قالت الحكومة إن الدعم سيكون موجها للأردنيين فقط ولن يستثنى منه أحد، فما الذي تغير حتى ندخل في معادلات معقدة لا تجلب سوى المتاعب لكل الأطراف. هنالك فئات من الأردنيين لا تستحق الدعم حقا لكنها محدودة جدا ويمكن اعتماد معيار الدخل المطلق لاستبعادها دون الحاجة للدخول في التفاصيل.
لكن حتى في حال حصولها على الدعم، فلن يكون لهذا تأثير كبير على الموازنة أو فاتورة الدعم، خاصة أن الدعم هو تعويض عن رفع حزمة واسعة من السلع وليس الخبز فقط.
وإذا اقترنت هذه الإجراءات بتعديلات جوهرية على قانون ضريبة الدخل فإن الطبقة الوسطى تصبح في مرمى النيران، وستتعرض لضغوط معيشية كبيرة فوق ما تعاني حاليا.
إن الردود الغاضبة والمنتقدة لمعايير الدعم المعلنة تقتضي من الحكومة مراجعتها على الفور، حتى لا تتحول لملف جديد من ملفات التأزيم الاجتماعي.
ويمكنها فعل ذلك بالتشاور مع النواب خلال الاجتماعات المقررة قريبا مع اللجنة المالية والتفاهم على آلية مقبولة من الطرفين ومرضية لعموم المواطنين.