الرئيسية مقالات واراء
د. باسم الطويسي
ما يحصل لقطاع السياحة العلاجية بين وقت وآخر ليس مؤامرة خارجية ولا منافسة غير عادلة من الداخل او الخارج؛ ولكنه يرتقي الى مستوى الجرائم الاقتصادية الكبرى والتخريب الاقتصادي نتيجة ضعف الردع العام قبل أي سبب آخر؛ فعلاوة على ما سيقوله القضاء بحق كل قضية جنائية بحد ذاتها فهناك حالة من الفوضى وغياب المسؤولية في قطاع حساس، أحد عناصر رأس المال فيه السمعة.
في أسبوع واحد أُثيرت قضية شابة توفيت بعد اجراء عملية تجميلية لشفط الدهون يقال إن شبهة خطأ طبي في العملية التي أجريت لها، وتم اغلاق مركز طبي لزراعة الشعر بعدما تبين انه يوظف عددا من العاملين الاجانب في مهن الجراحة وزراعة الشعر بدون شهادات طبية؛ وكل عدة اشهر قضية من العيار الثقيل تمس هذا القطاع الاقتصادي ونشهد عند كل حالة جلبة كبيرة وتقام الدنيا ولا تقعد ثم تذهب الامور طي النسيان.
في العام الماضي اثيرت قضية مريض سعودي ذهب ضحية شفط دهون في احد المراكز الصحية ووصلت القضية الى حد التشهير العلني على مستوى الإعلام العربي بالسمعة الطبية للاردن حيث أثار برنامج تلفزيوني على احدى القنوات التلفزيونية الشهيرة الموضوع، ما جعل المسألة قضية رأي عام عربي، حيث اتُّهم القطاع العلاجي الأردني باستغلال مرضى عرب وخليجيين تحديداً، وعدم تقديم الخدمة الطبية اللازمة لهم. وتردد حينها ان الحكومة درست انشاء هيئة عليا لمراقبة قطاع السياحة العلاجية.
تشير الارقام الرسمية انه تجرى في الأردن نحو 12 الف عملية جراحية في مجال السمنة سنويا، وتجرى 50 بالمئة من العمليات لمرضى عرب من دول الخليج والعرب المقيمين في اوروبا. فيما يشكل هذا القطاع احد اعمدة السياحة العلاجية، فإنه اكثر القطاعات الطبية التي تشهد تجاوزات.
لا يمكن أن يستمر هذا القطاع بهذه الفوضى وبغياب الحد الأدنى من التنظيم، فيما يحتل الأردن المرتبة الأولى عربيا في السياحة العلاجية، والمرتبة الخامسة عالميا؛ ما يعني أنه قد حان الوقت لإعادة النظر في الاستراتيجيات الوطنية في إدارة هذا القطاع، حتى يمكن فعليا الدعوة الى التفكير جديا في مضاعفة حجم الاستثمار فيه للاستفادة من الميزات التي يوفرها الأردن لهذا القطاع، وتحويل البلاد إلى مقصد عالمي للسياحة العلاجية، ومضاعفة القيمة المضافة للاقتصاد الاردني في هذا المجال، ما يتطلب التفكير جديا في الموارد البشرية والاستثمار في مدن تعليمية متكاملة في الكليات والتخصصات الطبية والتمريضية والدوائية والخدمات المساندة، ومراكز البحوث المتقدمة، والصناعات المكملة.
يقال إن بناء السمعة قد يستغرق 100 عام، فيما يمكن تشويهها بخمس دقائق أو خلال أيام. وهذا ينطبق على القطاعات الحساسة ذات الصلة بقرارات تتعلق بالصحة أو بمستقبل الأبناء أو حتى قرارات السفر. مسار بناء السمعة لقطاعات اقتصادية أو خدمية كبيرة، ليس مهمة الدولة وحدها، وليس مهمة القطاع الخاص أو المجتمع وحدهما؛ هذا المسار يحتاج مسؤولية تضامنية مشتركة. لكن في مجتمعاتنا، وفي أعراف مؤسساتنا، تضيع القضية بأكملها حينما نتكلم عن مسؤولية تضامنية. المهم علينا تدارك ما يحدث لسمعة القطاع الطبي الأردني والسياجة العلاجية بسرعة، فثمة تخريب اقتصادي يحدث في أحد قطاعات الريادة التاريخية، وهذه مسؤولية الدولة.