الرئيسية مقالات واراء
لم أسمع أبلغ من القول الأردني العامي "حل عن سماي". يا إلهي ما أعمقه!. يكون الواحدُ هنا في قمة القرف الكوني ويطلب من سبب هذا القرف أن يحل عن سماه. تخيل كيف تغطى السماء كلها وأنت ضجر وتطلب من سبب هذا الغطاء أن يحل عنك. أنتَ تكره السماء كلها بوسعها وطولها وبعدها وأساطيرها بسبب شيء ما. حل عن سماي! جملة لا تخرج إلّا من رجل ملّ أصحابه الذين يعاملونه معاملة "العنايا" كأنهم عمته، فهو صديقك ما دمت أنت تسأل عنه، وإن غبت ينتظر عودتك كأنه أختُ سماك.يقولها رجلٌ تضاعفت فاتورة كهرباء بيته بشكل مفاجئ، ويقولها أبٌ أردني يفهمُ الأردن جيدًا ويبتسم لابنه الذي تخرج في جامعة اليرموك "الأول على الدفعة"، يقولها الأب ردًا على ابنه الذي تقدمَ إلى منحة الماجستير، فهو على يقينٍ تامٍ أن المنحة لن تكون لابنه، لذا فالحلُ أن يحل الابن عن سماء الأب.
يقولها رجلٌ حرثَ في وزارة التربية والتعليم ربع قرن وخرج من الخدمة بلقب أطلقه الطلاب عليه ويَحْرجُ ابنه الصغير، ورجلٌ دخل القوات المسلحة بعد أحداث أيلول بقليل واستمر في خدمته بين العقبة وعقربا حتى خرج من الجيش تزامنًا مع وصول هاتف الـ "Motorola" العملاق الذي كان يربط على حزام الخصر ويتسبب بهبوط البنطال أحيانًا، خرجَ الرجلُ من الجيش ومعه "Herniated disk"وتأمين صحي يستعمله ابن اخيه بسبب تشابه بينه وبين ابنه، شبهٌ في البؤس وحق الحياة الذي حلَ عن سمائهم. يقولها رجلٌ رفض رشوّة التاجر العملاق عندما كان على رأس عمله في العطاءات الحكومية، رفض المال الحرام وعاش في حلال صعب دون ترقية، فتربصَ المدير له حتى بلغ الضمّان الاجتماعي ووضعوا سيقانهم في ظهره مرددين: "حل عن سمانا يا نزيه وشريف". السماءُ ذاتها يشتمها جيل كامل مذّ كان ليث شبيلات اسلامويًا ويعقوب زيادين فاعلًا والكوفحي كاسحًا والفلاحات بلحيةٍ أكثر شعرها أسود. السماء ذاتها لا تحلُّ عنا مذ لبس جاري الستيني شماغه الأحمر للمرة الأولى يوم قُتل هزاع المجالي. السماء ذاتها تقول "حلوا عن سماي" ويردد الواقفون تحتها:"وتُستعذَبُ الأرضَ التي لا هَوَاْء بها / ولا ماؤُهَا عَذْبٌ ولكنّها وطَنْ".!