الرئيسية مقالات واراء
لم أرَ صديقتي المقدسية تعيش ضيقا أكبر مما هي فيه اليوم. أستشعر غضبها على مدينتها التي أهداها ترامب لإسرائيل، وكأنه ما من شعب هناك يحق لهم الحياة على أرض أجدادهم التي اغتصبها الإسرائيليون بعد أن حصلوا على الجائزة الكبرى من بلفور، والذي من خلال "وعد" لا إنساني ولا قانوني استطاع سلخ فلسطين من ثوبها العربي، مانحا إياها ليهود في قارات العالم ليقيموا فيها وطنا.
صديقتي المقدسية كتبت على لوح صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك هذا الاعتراف ردا على اعتراف ترامب "أنا نادية حرحش، فلسطينية الدم والهوية.. أبي مقدسي.. وجدي مقدسي.. وأمي مقدسية..
أنا صاحبة الحق الأصيل في القدس والعودة وكامل التراب الفلسطيني من نهر الأردن حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن رأس الناقورة حتى خليج العقبة. بالأصالة عن نفسي أعلن أنني لا أفوّض أحداً في التنازل عن هذه الحقوق أو التفاوض بشأنها كائنة ما كانت صفته الرسمية، وأنني لم أنتخب ولم أوكل أياً ممن وقّعوا اتفاقيات باسمي وباسم سائر الشعب الفلسطيني تعترف بإسرائيل، وأن هذه الاتفاقيات ساقطة عديمة الأصل لاغية الأثر بحكم المنطق والقانون والعرف".
ولم تكتفِ صديقتي بهذا الكلام، بل ألحقته بإطلاق مبادرة تدعو فيها المقدسيين لنشر وتوزيع ما كتبت وتبنّيه تأكيدا على حقها بأن القدس لها وكانت لأبيها وجدها من قبلها.
صديقتي قالت إن هذه المبادرة تندرج تحت بند "أضعف الإيمان" في الرد على قرار الرئيس الأميركي.
لي صديق آخر مقدسي، شرح كيف هي صنوف التمييز التي يعاني منها أهل القدس يوميا، وكتب لي قائلا إنهم في القدس يتعرضون لضغوطات كبيرة على مختلف الصعد؛ الضرائب المرتفعة، وعدم وجود وظائف ولا نظافة في مناطقهم، والمدارس الحكومية تجبرهم على تلقي المناهج الإسرائيلية، بينما تتم باستمرار سرقة الأراضي العربية ومصادرتها، إضافة إلى الاستيلاء على الآثار، ولا تمنح سلطات الاحتلال رخص بناء جديدة. والأخطر محاولات إفساد الشباب من خلال المخدرات. وختم بالقول "الشعب العربي نايم. القدس مجروحه مسلوبة مغتصبة".
لا بأس كذلك باستحضار فيديو ذلك الشاب الذي شاع على مواقع التواصل وهو يتحدى جنود الاحتلال ويتحدث الإنجليزية معهم متحديا أن يكون قبر أحد من جدودهم موجودا في القدس، مشددا على أنه ابن الأرض، وأن جذوره وأصول أجداده راسخة فيها.
هكذا هو حال أهل القدس؛ ظلم على ظلم وقلة حيلة أمام مشهد عربي ضعيف ومهلهل، وكذلك قهر لا يتوقف من سياسات المحتل التي تلاحقه لانتزاعهم من أرضهم. ربما هذه هي أكبر مخاطر الاعتراف الأميركي، كونه أعطى الاحتلال الضوء الأخضر لاستكمال مخططاته، وأطلق يده للإسراع في تنفيذ سلسلة من المخططات، من أبرزها إلى جانب الاستيطان، سلسلة تشريعات مُدرجة على جدول أعمال الكنيست، وقد بلغ عددها في الولاية البرلمانية الحالية، 14 قانونا ومشروع قانون، وفق مشروع رصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان الذي يجريه الزميل برهوم جرايسي في مركز الأبحاث الفلسطيني "مدار" في رام الله.
ما كتبته صديقتي المقدسية يعبر عن حال أهل المدينة الذين ما يزالون ينتظرون النصرة. هي لا تعبر عن يأس كامل، ولكنها تذكّرنا جميعنا أن انتظار المقدسيين للنصرة طال، وأنهم لا يحتاجون كلاما ومواقف مزدوجة، واحدة في العلن وأخرى في الغرف المغلقة، بل يحتاجون إلى موقف عربي جريء يدعم موقفهم وتمسكهم بأرض أجدادهم.