الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم -
ضمن المعطيات (التي ذكرناها في مقالة أمس)؛ تزاوج السياسات الإيرانية الخارجية بالأبعاد الطائفية، والدور الإيراني المدمّر في سورية والعراق ولبنان، وبناء الميليشيات الطائفية عابرة للحدود من جهة، وموقف إيران من إسرائيل، والنفوذ الإقليمي الكبير الذي تتمتع به اليوم، وقدرتها على استقطاب الشيعة العرب في كثير من الدول والمجتمعات من جهة أخرى، كيف يمكن أن نرسّم علاقاتنا مع إيران؟
الجواب على ذلك، أنّنا أمام طرفي معادلة، إيران كقوة إقليمية نافذة، لها أدواتها الداخلية، حليف محتمل، ومن الطرف الآخر إيران كعدو خطير، يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي. ومن وجهة نظري الجانبان يمكن تفعيلهما، ضمن شروط وديناميكيات معينة، بمعنى أنّنا العرب يمكن أن نجلس مع إيران على الطاولة ونتفاوض ونتوصّل إلى تسويات سياسية للسياسات الإقليمية وحتى الداخلية، أو يمكن أن نذهب نحو تحالفات دولية في مواجهة إيران، لكنّ ذلك سيعزز من حالة الضعف الراهن، بخاصة أنّ أول من استثمر في هذا التوجه (أولوية الخطر الفارسي) هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي فضح النظام العربي وأحرجه!
إقليمياً لم يعد ممكناً تجاهل أنّ إيران وتركيا أصبحتا قوتين إقليميتين شريكتين في أي نظام إقليمي قيد التشكل في المنطقة، لذلك فإنّ محاولة كسبهما إلى جوار العالم العربي أفضل من الدخول في صراع معهما، بخاصة إذا ارتبط ذلك بأبعاد طائفية تولّد حروباً أهلية داخلية.
ومثل هذا الحوار لا يعني التخلي عن العراق وسورية، عربياً وسنيّاً، بل تحسين شروط التفاوض مع الطرف الآخر، عبر وجود "صفقة تاريخية" عربية معروضة مرتبطة بالحوار السني- الشيعي، وبمستقبل هذه البلاد، وبالحريات الدينية والطائفية، وبأنظمة سياسية مبنية على القبول بالتعدديات. فإذا كان العرب يعرضون صفقة على إسرائيل (من أجل القضية الفلسطينية)، والإدارة الأميركية تتحدث عن "صفقة القرن"، فإنّ صفقة التاريخ والمستقبل تتمثّل بإيجاد فضاء جديد عربي- إسلامي- إقليمي، يجمع الدول العربية والإسلامية، ويتم فيه تحييد المسائل الطائفية عن المصالح السياسية، والتوافق على قواسم مشتركة لمستقبل المنطقة وأمنها ومصالحها.
ما هو البديل من ذلك؟! هو باختصار حروب داخلية وأهلية وصراعات إقليمية، ومزيد من التشظي والتمزّق العربي الداخلي، وهو استثمار من قبل القوى الدولية والإقليمية في هذا الفراغ الاستراتيجي، وتعزيز وتجذير الجماعات الراديكالية العنيفة، التي تعتمد في معجمها الأيديولوجي (كما يفكك الصديق والزميل حسن أبو هنية) على مثل هذه الظروف المثالية والتربة الخصبة للتجنيد والدعاية!
إلى الآن لم نتقدّم عربياً بخطاب استراتيجي وحضاري تجاه إيران، وحتى الشيعة المواطنين العرب الذين التحقوا عاطفياً وشعورياً بها، مع غربتهم في أوطانهم. بعد ذلك ننظر فيما إذا كانت طهران ستقبل بمثل هذا العرض التاريخي أم ترفضه؟ ونقرر.
عملياً نحن تخلينا عن العراق وسورية لصالح إيران وسياساتها الطائفية، وبدرجة كبيرة لبنان، ونسير باتجاه الفشل في اليمن، ولا نعرف على من سيأتي الدور لاحقاً، فالمشكلة تكمن في العرب ولا عقلانيتهم وإدمانهم الفشل والرسوب، والتخبط السياسي، أكثر مما هو بوجود إيران المسكونة بالصراع الطائفي والتاريخي، وباستعادة الحلم الفارسي في المنطقة!
وجودنا على الطاولة، حتى ولو سياسياً، وإعادة بناء المقاربة تجاه تركيا وإيران، ربما يقلب الكثير من المدخلات والمتغيرات، طالما أنّ نسق الصراع الذي ولجنا إليه لا يؤدي بنا إلا إلى عقلية "المباطحة" القديمة البائسة، وكأنّنا في صراع ديوك، لا في ترسيم مستقبل منطقة وأجيال ومجتمعات تعاني من سياسات فاشلة خرقاء!