الرئيسية مقالات واراء
السؤال الأكثر دقّة هو لماذا لا نبدع داخلياً؟ بمعنى: لماذا لا نستفيد من الأردنيين المبدعين في مؤسساتنا الوطنية المختلفة والمتنوعة؟..
عاد إليّ هذا السؤال وأنا أقرأ اخباراً عن الباحثة الأردنية يارا مرعي، التي حصلت على جائزة الشيخة فاطمة بنت مبارك للشباب العربي الدولية بدورتها الرابعة، ضمن فئة الشباب العربي المبدع، عن مشروعها (استرجاع البقع النفطية المتسربة في البحار والمحيطات)؛ حيث جرت المنافسة على مستوى المنطقة العربية، وتقدم لها عشرات الأفكار والمشاريع.
وقبل ذلك كنتُ أقرأ خبراً عن د. يوسف النجار (من جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية) الذي منحته جامعة كرانفيلد للتكنولوجيا البريطانية درجة الدكتوراه العليا في البحث العلمي DSc وهو أول باحث عربي يحصل على هذه الدرجة. وتعتبر هذه الدرجة أعلى درجة دكتوراه في البحث العلمي تُمنح كتقدير للإسهامات الجوهرية المتواصلة نحو المعرفة العلمية على مستوى العالم.
وكذلك وأنا أقرأ عن إنجازات د. صادق الحايك، أستاذ المناهج والتدريس بكلية التربية الرياضية، في الجامعة الاردنية، بميدالية التميز العلمي على مستوى الوطن العربي من الأكاديمية العلمية في لندن.
وحصل الحايك على الميدالية نظير إسهاماته العلمية والبحثية ومشاركاته الدولية في خدمة علوم التربية الرياضية بإجماع اللجنة العلمية المشتركة بين الأكاديمية والمجلس العلمي البريطاني.
كان الحايك قد نشر اكثر من 150 بحثا بعدة لغات، بالإضافة لكتبه المنشورة في 25 دولة عربية وأجنبية، وشارك في 66 مؤتمراً علمياً وعربياً ومحلياً. وهو الأمين العام المساعد لجمعية كليات ومعاهد وأقسام التربية الرياضية العربية منذ عام 2006، والأمين العام المساعد للأكاديمية الدولية لتكنولوجيا الرياضة بالسويد منذ العام 2013.
ربما لو أردنا أن ننكش الذاكرة لدقائق معدودة فسنجد أنفسنا أمام عشرات الأسماء لأردنيين متميزين ومبدعين في الخارج، سواء في الخليج العربي أو في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، من اكاديميين واقتصاديين، وأطباء ومهندسين، نجحوا في إدارة مؤسسات والوصول إلى مراحل متقدمة في مجالاتهم، لكنّهم في أوطانهم مغمورون، فلم يجدوا الفرصة ولا البيئة المطلوبة لتخليق وتطوير هذه الإبداعات والإنجازات.
لا بل لو قفزنا عن هذه القوائم للأردنيين المبدعين، ونظرنا إلى الطلاب الأردنيين، الذين ينتقلون من مدارسنا ويكون تصنيفهم متدينٍا والعائلة تضرب كفّاً على كفّ من مستواهم التعليمي، فإذا انتقلوا إلى الولايات المتحدة أو كندا أو حتى بعض الدول الأوروبية، فإنّ بعضهم – وأنا أعرف حالات عديدة- يبدع حتى في مجال الدراسة أو في مواهب مختلفة، وبعض هؤلاء يحصلون على منح من جامعات أو ولايات بسبب مواهبهم وإبداعاتهم.
المشكلة، إذاً، ليست فقط في عجز مؤسسات الاستثمار وبيروقراطيتها وسياساتها في الأردن من جلب الاستثمارات الخارجية وتعزيرها، بل ما هو أخطر من ذلك بكثير أنّ مؤسساتنا عاجزة عن الاستثمار في مواردنا البشرية وتنمية الإبداع والإنجاز والإنتاج، وهي مسألة تدفع بنا إلى محاولة التفكير العميق والجدّي بإعادة فك الأنظمة التعليمية والإدارية المختلفة وتحويلها من أنظمة جامدة كسولة تحبّذ الركود إلى أنظمة ذكية تدفع بالمغامرين والمبدعين والنقديين إلى الأمام!
جزء من ذلك مرتبط بالضرورة بالعملية التعليمية والتربوية والمناهج والكتب المدرسية، التي تحتاج إلى إعادة نظر في الفلسفة والمفاهيم التي قامت عليها قبل عقود وتقوم على الحفظ والمحافظة والثقافة السكونية، بدلاً من النقد والبحث والتفكير والثقافة الديناميكية!