الرئيسية مقالات واراء
أيّاً كانت جديّة تهديدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومندوبته في الأمم المتحدة، تجاه قطع المساعدات عن الدول التي صوّتت مع قرار الجمعية العامة (ضد قرار الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل)، فإنّ ما يدركه جيّداً المسؤولون الأردنيون هو أنّ العلاقة مع إدارة ترامب دخلت في نفق طويل.
قد لا ينفّذ الرئيس الأرعن تهديداته حرفيّاً تجاه الأردن ودول عربية أخرى، وهي مساعدات تمّ إقرارها في الكونغرس الأميركي، لكنّه سيبتزّ القيادة الأردنية، ويخلق أمامها صعوباتٍ شديدة، بسبب الموقف من القدس من زاوية، وبسبب إصرار الأردن على عدم الانجرار إلى "صفقاتٍ" تتم تحت الطاولة بين الإدارة الجديدة ومسؤولين عرب، بذريعة مواجهة "الخطر الفارسي" أولاً!
لا تقتصر الإشكالية الأردنية في صعوبة التعامل مع ترامب، خصوصا أنّ هنالك مساعدات تتجاوز البليون دينار سنوياً، تقدّمها الولايات المتحدة للأردن، إذ أصبحت الداعم الرئيس للخزينة الأردنية، بل أيضاً مع حلفائه العرب التقليديين الذين يرون في الإدارة الجديدة مفتاحاً ذهبياً لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي، ولاختلاف الأردن مع منهجية إدارة الصراع في المنطقة، وفقاً لرؤية تلك الدول.
إذاً هنالك مشكلة مع ترامب، معلنة وواضحة، وسيأخذ الأردن باستراتيجية شراء الوقت إلى حين انتهاء ولاية هذا الرئيس، أو تغير الشروط الإقليمية الراهنة مثلاً (وهو مستبعد)، ومشكلة غير معلنة مع الحلفاء العرب تتدحرج، ويحاول المسؤولون الأردنيون منعها من التطوّر والوصول إلى "لحظة التحوّل"، بمعنى أن تصبح عنواناً لمرحلة جديدة، لكنّهم (المسؤولين الأردنيين) يدركون تماماً أنّ الخلافات قائمة وقوية وفاعلة، وأنّ الأولويات واعتبارات المصالح المشتركة ومصادر التهديد باتت متباينة إلى درجة كبيرة.
الرسالة التي حاول الأردن تقديمها للإدارة الأميركية أنّ هنالك نتائج وتداعيات خطيرة عربياً وإسلامياً على الأمنين، الإقليمي والعالمي، في حال أقرّ ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، عملت أطرافٌ عربيةٌ بوضوح على إفشالها، ويكفي النظر إلى التغريدة المخجلة لوزير خارجية البحرين، عندما ألمح إلى أنّ القضية الفلسطينية بمثابة قضية جانبية أمام الخطر الإيراني. ومن ذلك يمكن أن نفهم تصريحات مندوبة أميركا في الأمم المتحدة إنّ السماء لم تقع على الأرض بعد ذلك القرار.
على الطرف الآخر، لا يفكّر الأردن في تغيير بنية تحالفاته الاستراتيجية، فهنالك حسابات إيرانية وتركية مختلفة عن الأردن، لمصالحها القومية ولأمنها الوطني، ولأولوياتها، وضعت تلك الدول في صفّ واحد مع صانع القرار الأردني في مواجهة ترامب، لكنّ الخلفيات والاعتبارات مختلفة، فضلاً عن أنّ هنالك بالفعل نتائج سلبية كارثية للسياسات الخارجية الإيرانية، الملتبسة بالطائفية في المنطقة.
المقصود أنّ الأردن نجح في تدشين جهود عزل أميركا دبلوماسياً في العالم، والمشاركة في هذه الجهود، عبر دعوته إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب، ومشاركته الفاعلة في قمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، ونشاطات الملك ووزير خارجيته، أيمن الصفدي، الدبلوماسية لحصار الموقف الأميركي. مع ذلك، يبدو الأردن معزولاً دبلوماسياً، بصورة غير رسمية، عن شبكة حلفائه التقليديين (أميركا والحلفاء العرب)، على الرغم من التحسّن الكبير في علاقاته مع أوروبا وروسيا وتركيا أخيرا، لكن هذه الأطراف ليست قريبة إلى درجة التحالف مع الأردن.
المعضلة الأردنية أنّنا نمرّ، في هذه المرحلة الدقيقة، في خضم تحديات خارجية كبيرة، وسط أزمة اقتصادية خانقة، وضغوط من صندوق النقد الدولي، من أجل اتخاذ خطواتٍ أخرى، لتحسين موارد الخزينة، بما في ذلك تغيير سياسات دعم الخدمات الرئيسة (الكهرباء والماء) وتوسيع نطاق ضريبة الدخل، وهو الأمر الذي واجه ردود فعل شعبية ساخطة، بمجرّد أن تم التلويح فيه قبل أشهر، ما دفع الحكومة إلى التراجع عنه.
مثل هذه المناخات السياسية، الداخلية والخارجية، تذكّر الأردنيين، بصورة أو بأخرى، بما حدث في العام 1990، مع فوارق عديدة (أهمها أنّ علاقتنا بالخليح لم تصل إلى مرحلة القطيعة أو الصراع)، عندما واجه الحسين ظروفاً دولية صعبة، وداخلية اقتصادية أصعب، واختار الانحياز للشارع، لكن شرط نجاح الحسين في تلك المرحلة وعبورها تمثّل بوجود انفتاح سياسي وديمقراطي كبير، وتناغم كبير بين القيادة والشارع، دفع المواطنين إلى تحمّل مرارة الأوضاع الاقتصادية، من أجل الالتزام بمعيار الكرامة الوطنية.