الرئيسية مقالات واراء
ما يشغل الأردنيون اليوم، هو وضع بلدهم في ظل تهديد أميركي بقطع المنح بعد تصويت الأردن لصالح القدس، وكيف سيكون الحال لو طبّق العم سام وعيده.
القصة كانت محسومة من صانع القرار وليست خاضعة للنقاش، خصوصا أن الموقف الأردني مبدئي، وأَبلغ به المسؤولين الأميركيين بكل وضوح، فلا مجاملة أو تنازل في قضية القدس، إذ ربما يدفع الأردن ثمن المواقف في الفترة المقبلة، وهي مسألة بدأ الناس يتحضرون لها، خصوصا أن الموقف الأنبل جاء من الأردنيين والفلسطينيين.
انحسار المساعدات الخارجية قصة لم تبدأ مع تهديد ترامب بوقف المساعدات، بل بدأت حينما أدار العرب ظهورهم للأردن، ولم يقدموا له الدعم والإسناد في السنوات الماضية رغم قسوتها وتعدد تحدياتها، فآخر المساعدات تمثلت بالمنحة الخليجية التي قدمها مجلس التعاون لدعم الأردن خلال سنوات الربيع العربي، سُددت جميعها باستثناء ما كان مطلوبا من قطر التي لم تقدم ما التزمت به وقيمته 1.25 مليار دولار.
المهم، لم يصدر من الإدارة الأميركية حتى الآن أي إشارات إلى عزمها تنفيذ تهديد الرئيس الأميركي، لكن ذلك لا يمنع من أن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات.
الاحتمال الأول أن تبقى المساعدات على حالها خلال السنوات المقبلة، ويوقّع الأردن اتفاقية الخمس السنوات المنظورة كالتزام من الولايات المتحدة للمملكة بالمساعدة خلال السنوات المقبلة، رغم أن القيمة السنوية للمنح لم تحدد على غير عادة.
هذا السيناريو ما يزال قائما اعتمادا على أن العلاقة استراتيجية بين الأردن والولايات المتحدة، وتقوم على منافع متبادلة للطرفين، فالأردن ليس متلقيا للمنح فحسب، بل ذلك يتبع بتحالف مصالح مشتركة بين الجانبين، وما يزال التعاون في بعض منه مصلحة أميركية قبل أن تكون أردنية.
السيناريو الأسوأ هو أن ينفذ ترامب تهديده، وهذا سيعقّد الأزمة الاقتصادية القائمة أصلا، فواشنطن تقدم لعمان أكثر من 1,2 مليار دولار، يتوجه منها 475 مليون دولار لدعم الموازنة العامة وتدرج في قانونها، فيما تنفق باقي المساعدات على الشق العسكري أو على مشاريع تنموية ينفقها الأميركيون من خلال ذراعهم التنموية وكالة الإنماء الأميركية US Aid. كما أن الولايات المتحدة ضامن للقروض الأردنية.
القرار إن نفذ، صراحة وبكل تأكيد، سيزيد وجعنا الاقتصادي، خصوصا أن المنح المقدمة من باقي الداعمين تبقى محدودة سواء من أوروبا أو اليابان، ما يعني أن السنوات المقبلة ستكون صعبة، وتحتاج فعلا إلى إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية.
الجديد في موضوع المساعدات الأميركية للأردن، أن ثمة موقفا أميركيا متثاقلا من استمرار دعم المملكة بالأموال بدأ بالبروز خلال الفترة الماضية، وأن التفكير الأميركي بوقف المساعدات لم يأتِ، فقط، كرد فعل على خطوة التوجه للجمعية العامة للتصويت على قرار لدعم القدس يقف في وجه إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.
يقول مسؤولون حكوميون إن مسؤولين أميركيين عبّروا عن ذلك صراحة في الأشهر الماضية، بطرح تساؤل دائم "إلى متى سيبقى الأردن معتمدا على أميركا في المنح، ومتى سيقدر على الاعتماد على موارده المالية؟".
النقطة الجوهرية أن التهديد "الترامبي" وانقطاع المنح العربية تبقيان الأردن وحيدا، ليس فقط سياسيا، بل واقتصاديا أيضا، وهذا يحتاج حقا لمراجعة الواقع لنتخفف من مصادر التهديد سواء غربية أو عربية، ونبدأ رحلة الاعتماد على الذات، سواء قطع ترامب المساعدات أم أبقاها.
في حال تحقق السيناريو الصعب، وعاقبت أميركا الأردن، نحتاج إلى مراجعة سياساتنا وإزاحة العقبات الداخلية في وجه تطور الاقتصاد، لنقدم أنموذجا مختلفا في العمل.
اليوم ثمة مزاج أردني متماسك ومتحد أمام كل التهديدات، وغير قابل للتفاوض، يلزم أن نبني عليه حتى نستقل اقتصاديا ونحمي مصالحنا الاستراتيجية ونزيل أي مصدر للتهديد، من خلال ترتيب بيتنا الداخلي وتحالفاتنا الجدية لتكون آمنة، بدلا من تلك التي تهددنا. علينا أن نعيد حساباتنا الداخلية والخارجية، لنجعل بيتنا منيعا صامدا في وجه كل التهديدات.