الرئيسية مقالات واراء
أحداث اليوم -
كوريا الجنوبية واليابان تعرّضتا لكوارث حقيقية كبرى، في الحرب العالمية الثانية وفي الحرب الكورية، وكذلك الأمر ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، واليوم الحديث عن "الأنموذج الفنلندي"، هذه الدول التي تحوّلت إلى أنقاض وعملياً تمّ احتلالها أو الهيمنة عليها، مع ذلك أصبحت اليوم من الدول المنافسة اقتصادياً على مستوى العالم، وأحد روافع ذلك: التعليم.
الأردن، بالمناسبة، ليس بعيداً كثيراً عن تك الحالة، في عقودٍ سابقة، بصورة خاصة في السبعينيات والثمانينيات، عندما ازدهر التعليم الحكومي في الأردن، وكنّا متميزين على مستوى المنطقة، وهو ما أدّى إلى ولادة الطبقة المتعلّمة الأردنية المهنية المتميّزة، التي صُدِّر جزء كبير منها إلى الخارج، وأصبحت بمثابة "علامة مسجّلة" للأردن في عملية البناء والتنمية في دول الخليج العربي.
لأسباب عديدة بدأ هذا الأنموذج في التراجع مع بداية التسعينيات، وبصورة خاصة مع خصخصة التعليم الحكومي والجامعي (ولا أعرف إن كان هنالك علاقة أو صلة علمية مثبتة بين تراجع التعليم الحكومي مع صعود التعليم الخاص)، لكن المهم أنّنا بدأنا نلمس تراجعاً في مخرجات التعليم المدرسي والجامعي على السواء، وفي مستوى المهارات التي يتمتع بها الخريج الأردني، وفي مستوى جامعاتنا.
اليوم عاد الاهتمام الرسمي بالتعليم – على أعلى مستوى سياسي-، وبدأت عملية الإصلاح التعليمي على أكثر من مستوى؛ المناهج، التدريب والتعليم للمعلّمين، والبنية التحتية، وهنالك مجلس أعلى للمناهج (من المفترض أن ينبثق عنه مجلس تنفيذي)، وأكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين، مع ذلك ما نزال في بداية طريق الإصلاح المطلوب.
أصبح لدينا أيضاً متخصصون ومثقفون يكتبون باستمرار عن موضوع المناهج والتعليم، مثل حسني عايش وذوقان عبيدات، وأكاديميون لديهم أعلى الشهادات العالمية، واستمعتُ شخصياً (بصفتي عضواً في المجلس الأعلى للمناهج) لمقاربة قدّمها
د.عدنان بدران رئيس المجلس، عن المناهج الدراسية في العالم اليوم، والعربية، ومقارنة هذه المناهج، بخاصة مع ما وصلت إليه مناهج التعليم في العالم اليوم من نظريات مهمة ومفيدة.
نظرياً، هنالك اليوم ورشة عمل مهمة على صعيد التفكير والنقاش في المناهج المدرسية والكتب التعليمية، تصل إلى إعادة النظر في مفهوم التعليم نفسه، وفلسفته، وجيلنا يذكر كيف كان هنالك اهتمام كبير في الحفظ في مناهجنا، على حساب التفكير النقدي والعلمي والمنطقي، وكيف بدأت أهمية الأنشطة غير الصفية تتراجع وتتلاشى، مثل الموسيقى والفن والرياضة والمسرح المدرسي، في الأعوام الأخيرة، ونتذكر كتب التاريخ التي تعجّ بالمثاليات غير المنطقية والواقعية التي تحتاج إلى غربلة وإعادة نظر، لربط الجيل بالواقع والروح النقدية الحقيقية.
كل هذه القيم المهمة التي نتحدث عنها في التعليم وصلت إليها المناهج العالمية اليوم مثل الـI.B، تحظى شريحة من أبنائنا بهذا التعليم الذي يركز على المهارات والتفكير والبحث العلمي، والعمل الجامعي وبالمنطق، وبالأنشطة المنهجية غير الصفيّة، مثل الدراما والكمبوتر والرياضة والفن والمسابقات المختلفة.
ما نحتاجه اليوم قريب مما يحدث في بعض دول الخليج (بخاصة الإمارات وقطر) هو "توطين" هذه المناهج العالمية الجديدة وتبيئتها مع الواقع المحلي، ومراعاة إمكانياتنا المالية في الوصول إلى ذلك، لكن هذا وذاك مرتبط ابتداءً بشرط مهم جداً وهو مفتاح التغيير والنهضة التعليمية المطلوبة، ألا وهو إدراك جديد نوعي من قبل الدولة بأولوية التعليم بوصفه مفتاح المستقبل أولاً، وبمنح دور أكبر وأهم للعلاقة بين المؤسسات التعليمية والمجتمع المحلي والقطاع الخاص، الذي يجب أن يتحمل مسؤوليته هنا أيضاً.