الرئيسية صوتنا
أحداث اليوم -
نارت قاخون - لا أدري، ولكن أشعر أنّنا نحن الأردنيّين نرى أنّ لـ"الإبداع" و"التّميّز" الّذي يُصيبه الأردنيون مجموعاً ثابتاً لا يقبل الزّيادة؛ فإذا قدّرنا إبداع فلان واحتفينا به وهو يستحقّه كان ذلك على حساب الآخرين بالضّرورة، أو حساب أنفسنا إذا كنّا نرى أنفسنا من "المبدعين". لذلك تجد الوسط الأدبيّ والثّقافيّ والنّقديّ الأردنيّ شديد القلق و"البخل" في تقدير مُبدعيه ومُثقفيه، وكأنّ تقدير فلانٍ من السّابقين أو علاّنٍ من الأقران يعني نقص حظّ المقدِّر من التّقدير!
أقول ذلك بسبب عرض مسلسل "أبناء القلعة" الّذي لم أشاهد حلقة منه ليس تقليلاً من شأن الظّهور الدّراميّ لرواية "أبناء القلعة" للرّوائيّ الأردنيّ الكبير "زياد قاسم"، بل لأنّني أتردّد كثيراً في مشاهدة النّسخ التلفزيونيّة والسّينمائيّة لروايات أعجبتني حدّ التّماهي معها.
ما دفعني لهذا الحديث هو "زياد قاسم" نفسه، وملحمته العظيمة "أبناء القلعة"، هذا العمل الأدبيّ الّذي لم يحظ بعشر معشار ما يستحقّ تقديراً وترويجاً، وكان أول "المطفّفين" الّذين لم يوفوا "زياداً" حقّه فكالوه ووزنوه بخسارة وبخسٍ شديدين هم "الوسط الثّقافيّ الأردنيّ" نفسه، فأنا على شبه يقين أنّ "زياداً" لو كان من بلاد أخرى لرأيت أهله وأشياعه يحتفون به في كلّ محفل، ويعلون من شأنه وشأن أعماله وعلى رأسها "أبناء القلعة"، وهم إن فعلوا لم يتجاوزا الإنصاف.
ولكن اجتمع في "أبناء القلعة" عاملان يجعلان حظّها في سوق التّقدير والاحتفاء شحيحاً؛ كاتبها، وفضاء سردها "العمانيّان"؛ فـ"عمّان" مدينة لا تزال إلى الآن في نظر كثيرين مثالاً على "المدن الطّارئة" التي تُثير القلق في نموّها ومظاهرها وأهلها كذلك، فهي مدينة فرضت حداثة نشأتها النّسبيّة أن لا تجد إلا نادراً من ينتسب إليها انتساباً "نهائيّاً" فيقول: أنا "عمانيّ" ويقف دون إضافة اسم مكان أو بلدة يحسن الانتساب الحاسم إليها. فـ"عمّان" التي ولد أغلب ملايين سكّانها فيها لا يزالون يرون فيها محطّة انتقال، و"بيدراً للحصاد" لا "منبتاً للزّرع". ولعليّ أكون متطرّفاً إذا قلتُ: "عمّان" مدينة أجمل من أهلها، وأطيب قلباً وأرحب روحاً منهم، على كلّ ما فيها.
"زياد قاسم" بأردنيّته و"عمّانيّته" اختار الإقامة الإبداعيّة في أقلّ مناطق الأردن حظّاً من "التّقدير المعنويّ والأدبيّ". ولكنّه بنى لنفسه صرحاً من الإبداع والتّميّز وأثيريّة السّرد ما لا أكاد أجده في أديب أردنيّ آخر.
"زياد قاسم"، ظلمناك، وحسدناك حين ظنّنا أنّ إغماض العينين ورمدها يحجبان الشّمس.
"زياد قاسم"، أيّها "العمانيّ النّبيل" راهنت على "عمّان" هويّة وإبداعاً فبخسناك وبخسك الأردنيون، فكانت سيرتك وسيرة "عمّانك" واحدة، لذلك فأنتما أجمل منّا.
* كواتب جمع "كاتب" لا أعلم وروده في كلام العرب، ولكن جمعتها على وزن "فواعل" لتكون على مثال "بواكٍ/بواكي" في حديث الرّسول الكريم: ولكنّ "حمزة" لا "بواكي" له.