الرئيسية مقالات واراء
ما اعنيه بالتعليم السياحي لا علاقة له بالسياحة ومعناها التقليدي، بل هو تحويل اهم منجزات العقل البشري الى تجارة بحيث يخضع التعليم لمعايير الربح والخسارة، بمعزل عن استراتيجيات او اهداف قومية، حتى التجارة لها حدود ما ان تتخطاها حتى تصبح بحاجة الى اسم آخر.
ومنذ المعلم الاول ارسطو الى آخر معلم في ايامنا مرورا بالمعلم الثاني وهو الفارابي صاحب المدينة الفاضلة كان التعليم على رأس اولويات الامم التي قررت ان لا تعيش بالعلف وحده كالبهائم، وحتى من الناحية الدينية كانت الكلمة هي البدء والموعظة الاولى هي إقرأ، وهناك شعوب نسبت الانتصارات والهزائم التي عاشتها الى المعلم كما فعل الالمان في الحرب العالمية الثانية ومنذ تلك الهزيمة والمعلم يحظى باهتمام استثنائي في المانيا، لأن مفكريها وفلاسفتها رأوا ان المعلم هو الذي يحدد اتجاه سهم البوصلة فكريا واخلاقيا، وحين قال شاعرنا العربي ان المعلم كاد ان يكون رسولا لا بد انه قرأ ما كان يحظى به المعلمون في تاريخنا من مكانة ويكفي ان نذكر كيف تنافس الامين والمأمون ابناء هارون الرشيد على حمل حذاء المعلم الذي كان يتولى تدريسهما، وربما لهذا السبب اصبح المأمون من اكثر الخلفاء المسلمين اهتماما بالعلم والثقافة ويقال انه كان يعطي مؤلف الكتاب او المترجم وزنه من الذهب!.
الان دخل التعليم السياحي الى معجم التجارة ولم يسلم من الخصخصة وبورصاتها واسهمها، واذا كان هناك سياحة طبية او سياحة دينية فإن الامر يختلف قدر تعلقه بالتعليم؛ لأن اخضاع هذا الهدف الحضاري النبيل لمعايير الربح والخسارة هو بمثابة تجهيل مُقنّع، فالهدف من التعليم ليس نيل درجة علمية وتعليقها على حائط، وليس ايضا مجرد مطيّة للتعاقد الموسمي، ولأنه اصبح كذلك فقد تضاعف عدد المتعلمين بقدر ما تناقص عدد العلماء.
وما نسمعه احيانا من طرائف عن اميّة الطلبة الجامعيين يشعرنا بالفزع، وفساد التعليم كفساد الملح الذي يتيح للعطن ان يتسلل الى كل شيء !!