الرئيسية مقالات واراء
ينهي نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، جولته الحالية إلى المنطقة (بعد زيارته لكل من مصر والأردن وإسرائيل)، مع شكوك فيما إذا كانت بالفعل أهدافه تحققت بإمكانية احتواء ردود الفعل لدى الأطراف العربية تجاه قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
خلال لقائه بالملك أعاد بنس التأكيد على الموقف الأميركي ووصف قرار ترامب بـ"التاريخي"، وفي الوقت نفسه حاول "ترميم الثقة" في العلاقات الثنائية الأردنية- الأميركية، وعزل ملف القدس عن باقي الملفات الإقليمية، وحتى عن التسوية السلمية نفسها، فذكّر بالتحالف بين الدولتين في مواجهة الإرهاب، والمصالح المشتركة في المنطقة، وفي الوقت نفسه أبرز موضوع "النفوذ الإيراني" في سورية، بوصفه تحديّاً إقليمياً مشتركاً لأميركا والدول العربية.
الجواب الأردني، كان واضحاً، فالملك أكّد على أهمية القدس ضمن حزمة الحل النهائي للتسوية السلمية، أولاً، وعلى أنّها جزء من الاستقرار الإقليمي في المنطقة بأسرها، ولا يمكن الحديث عن تعاون إقليمي مع تجاهل الموضوع الفلسطيني، ثانياً.
ليس ذلك فقط، إذ طلب الملك من بنس (وفق مصادر مطّلعة وموثوقة) بأن ينتهي الاستفزاز الإسرائيلي للفلسطينيين، وأن يوضع حدّ لموضوع الاستيطان، وبتغيير طريقة التعامل غير الإنسانية مع الفلسطينيين، من قبل جنود الاحتلال. كما طالب الملك بنس بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح الفتاة المعتقلة عهد التميمي، التي أدى اعتقالها إلى ردود فعل ساخطة وغاضبة شديدة.
جواب الملك على بنس سمعه الأخير من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأحسب أنّ نائب الرئيس الأميركي لم يكن يتوقع أن يسمع كلاماً آخر غير ذلك، لكنّه سعى إلى ترطيب الأجواء مع الأردن ومصر، والحدّ من الخلافات حول القدس على علاقة الولايات المتحدة بالطرفين.
أخطر ما في كلام بنس، في ظني، محاولة تمرير فكرة بأنّ أميركا ملتزمة باحترام دور الأردن ووصايته على المقدسات الإسلامية في القدس، وفي هذا التصريح تشويه حقيقي للدور الأردني، فدور الهاشميين والأردن في رعاية المقدسات مرتبط بتصوّر استراتيجي ورمزي، ولا يمكن لذلك أن يتزاوج مع اعتراف الإدارة الحالية بالقدس عاصمة لإسرائيل.
موقف الأردن يتجاوز اتجاهين اثنين؛
الأول وهو موقف بعض الدول العربية، التي تعتبر "الخطر الإيراني" رقم 1، وتمثّل القضية الفلسطينية وملف القدس أمراً ثانوياً لها، ما يعني واقعياً تمرير القرار الأميركي بلا كلفة سياسية.
والاتجاه الثاني هو دول إقليمية ذهبت في التصعيد مع الأميركيين إلى أقصى حدّ، مثل إيران وتركيا، لكن على الصعيد الخطابي، واللغوي، بينما على أرض الواقع فإنّ مطبخ القرار في عمّان يدرك تماماً أن الدول تتحرّك وفق مصالحها واعتبارات الأمن الوطني لها، والأردن والفلسطينيون هم الوحيدون المتضررون مباشرةً وبصورة حقيقية من قرار الإدارة الأميركية، لكن عليهم تقدير الموقف بصورة دقيقة.
في الأثناء اعتبرت السلطة نائب الرئيس الأميركي غير مرحب به، وكان الرئيس محمود عباس في أوروبا في محاولة لأخذ قرار أوروبي في موضوع القدس، وهي محاولة جيّدة لمواجهة الحصار الأميركي والانكشاف الاستراتيجي العربي والفلسطيني، لكن السؤال: ماذا سيترتب على ذلك عملياً وفي معادلة الصراع؟!
بالنتيجة المسألة ليست سهلة، وعلينا – أردنياً وفلسطينياً- إعادة التفكير في الخيارات والأوراق بصورة واقعية وعقلانية. فالانكشاف الاستراتيجي العربي وموازين القوى تضطرنا للتعامل مع إدارة أميركية خطرة تعلن انحيازها المطلق لإسرائيل، وزيارة بنس تكرّس هذه الحقيقة، ولا تغيّرها، وتعزز القناعة بأنّنا أصبحنا أمام يمينين أميركي وإسرائيلي، يتنافسان محكومين بمنظور ديني متطرف للقضية الفلسطينية، وذلك يقتضي أن نفكّر بعقولنا لا بقلوبنا، في إدارة المرحلة القادمة.