الرئيسية مقالات واراء
حين قرأت للمرة الأولى عددا من مسرحيات اللامعقول او العبث لصاموئيل بيكيت ويوجين يونسكو وجون اوزبورن وأرابال وغيرهم، لم يخطر ببالي على الاطلاق ان من حرموا من قراءة تلك المسرحيات او مشاهدتها هم على موعد معها وانهم سوف يشاهدونها في الهواء الطلق وفي الشوارع وعلى الارصفة اضافة الى شاشات الفضائيات، فكل ما كتبه هؤلاء ووصف باللامعقول يبدو الان اكثر منطقيا ووقورا ومعقولا جدا ازاء ما يقدمه الواقع العربي من مشاهد يلعب فيها الجنون دور البطولة، اما الملايين سواء ممن يصفقون او يتثاءبون على مقاعدهم فهم مجرد كومبارس او جوقة !
فالعرب المعاصرون انتظروا البطل المخلص الذي يحرر لهم بيت المقدس وهو صلاح الدين او احد احفاده اكثر ما انتظر بيكيت غودو، وهناك مشاهد تتفوق على ما جاء في مسرحية الدرس من عبث، اما مسرحية جون اوزبورن البريطاني التي عبّرت عن جيل من اللامنتمين في خمسينيات القرن الماضي وبتأثير من الحرب العالمية الثانية وهي بعنوان انظر وراءك بغضب فقد اعاد العرب تأليفها لكن على نحو معكوس، وهو انظر امامك بغضب وحزن لأن مستقبلك ومستقبل ابنائك واحفادك مجهول . وما كتبه السورياليون والدادائيون من جنون وقفز عن الواقع يبدو الان كما انه مترجم من اللغة العربية الى الفرنسية مع فارق واحد هو ان سوريالية فرنسا ادبية وشعرية .
اما المعجزة التي حققها العرب في مطالع هذه الالفية ويستحقون عليها بضع براءات اختراع وحُزمة من جوائز نوبل وبوليتزر وجونكور فهي اخضاع التكنولوجيا للخرافة وتوظيف منجزات العلم لمضاعفة التخلف وتحويل كل ما هو نافع على سطح ارضهم وفي باطنها الى ضار اضافة الى مكافأة الجهلة على ما يقترفون ومعاقبة العلماء على ما يبتكرون !
لقد سبقنا الغرب في مسرح اللامعقول والسوريالية لكننا الان نتفوق عليه بما يفيض لدينا من فوضى وجنون واوهام !!