الرئيسية مقالات واراء
ما اشبه الجاهل بمريض يصر على خداع نفسه ويرفض الاعتراف بما يعانيه من مرض قد ينتهي به الى الهلاك، فالجاهل كما قيل في الامثال والحكايات عدو نفسه اولا وهو لا يعلم، كما ان المريض الذي يعالج مرضا عضالا بالكمادات المنقّعة بالماء ينتحر ببطء، ويذكرنا بالقط المسكين الذي لحس المبرد واستمرأ مذاق دمه حتى الموت .
فهل من المعقول اننا في هذا العالم العربي الذي يستحق ان يُعلن منطقة منكوبة لم تتوصل بعد الى تعريف دقيق للجهل ؟ فهو اولا ليس مرادفا للامية لأن هناك من ينالون اعلى الدرجات في مجالات تخصصهم لكنهم جهلة بمقياس آخر، خصوصا بعد ان اصبح التعليم بفضل تجارته وتحوله الى نمط انتاج للكسب يمنح رخصة للحصول على وظيفة لا تختلف عن رخصة قيادة السيارة، واعرف نماذج من تخرجوا من الجامعات يقولون بشيء من الافتخار انهم لم يفتحوا كتابا منذ تخرجوا، وقد يسخرون من زملائهم اذا استمروا في القراءة وتثقيف انفسهم، وهنا نتذكر عبارات تقليدية يتبادلها الناس ومنهم متعلمون عن الاذى الذي يتسبب به الفكر، والموعظة المتكررة هي الاقلاع عن التفكير وسد الباب الذي تأتي منه الريح !
وكما ان بعض الفقراء الذين يخجلون من فقرهم ويسترونه كالعورة بمساحيق من مستحضرات القروض البنكية والارتهان لكمبيالات الدائنين هناك بالمقال جهلة يفعلون ذلك، ويحاولون ان يستروا العورة ببضع عبارات يلتقطونها من الفضائيات او المقاهي، لكن هذه الذخيرة البائسة لا تدوم اكثر من بضع دقائق ثم يتكشف المستور وتفوح رائحته، وقد لا يدرك البعض ان للجهل رائحة وقد تكون حادة وتزكم الانوف، لكن من ينفقون المال على شراء العطور لاجسادهم لا يتذكرون ان هناك روائح اخرى يفرزها الجهل وتحتاج الى مضادات لها، في مقدمتها قدر من القراءة والوعي بما يجري في محيطهم !
وحين تدور عقارب الساعة الى الوراء بانتظام واحيانا بتسارع فمعنى ذلك ان التدخل اصبح ميؤوسا من علاجه لأنه تحول الى بديل مقرر ومعترف به وله الكلمة الاخيرة !