الرئيسية مقالات واراء
مذكرات صحفي
ذات يوم كنت عائدا من مدينة مادبا بعد قضاء يوم كامل في ضيافة الصديق وليد حوامدة، توقف الباص الذي كنت استقله في مجمع سحاب،وكان الوقت قريبا من الغروب..عندما التقيت شابا جذبني كلامه وهو يتحدث مع صاحب بقالة بصوت عال عن الدفائن الأثرية وما تحتويه من كنوز ...تحكي اساطير العهد الروماني..مرصودة بالجان..ثم انهى حديثه قائلا كلها عمليات نصب واحتيال.
التفت الشاب نحوي ولاحظ أنني كنت استمع لحديثه بامعان، فاستوقفني قائلا وهو يستعد للعراك...شو بدك حتى تتنصت علي؟
أجبته بمنتهى الصراحة..انني صحافي في جريدة البلاد الاسبوعية..وأن ما ذكره يصلح تقريرا صحافيا..ابتسم الشاب ضاحكا وقال لي سأزودك بأفضل قصة صحافية تكتبها في حياتك المهنية..ثم وضع ساعده على كتفي وطلب مني مرافقته.
واصلت مرافقته وكلي قلق منه ان يكون دبر لي شرك..حتى وصلنا احد المنازل..فتوقف ملتقطا كيس بلاستيكي من الارض ووضع بداخله حفنة من التراب وقام بعقده..ثم قال: هذا المنزل يعود لمشعوذ يزعم انه قادر على فك الرصد الذي يمنع الوصل الى الكنوز..مشيرا الى ان المشعوذ حقق ثروة من المال وهو يحتال على الباحثين عن الدفائن في باطن الأرض.
ثم طلب مني ذاك الشاب الذي اتحفظ على ذكر أسمه، ان ادخل معه الى منزل المشعوذ وازعم انه يوجد كنز في منزلنا بالزرقاء داخل حوض الزراعة في فناء البيتوأنني احضرت ترابا من مكان الحفر ..طالبا مساعدته في فك الرصد واستخراج الكنز الدفين.
استهوتني المسرحية التي رسمها الشاب لي بدقائق معدودة..ثم توجهنا نحو بيت المشعوذ وقرع الشاب الباب..حتى فتح لنا المشعوذ وكان يرتدي ثوبا اسود اللون وقبعة سوداء..وله لحية بيضاء طويلة تصل ما بعد رقبته وبيده سواك يضع طرفه في فمه.
استقبلنا المشعوذ بالترحاب وطلب منا ان ننتظره في مضافته..بحجة ان لديه سيدة تعمل مديرة لأحد فروع بنك الأسكان، وقصدته ليعالجها من العقم، وان يصنع لزوجها حجابا حتى لا يتزوج من أخرى.
بدأت اهمس في أذن الشاب الذي يرافقتي متسائلا..هل سيطلب مني مالا ؟..فأجاب الاخير ليس الان..ثم سالته وأفرض كشف أمرنا..فرد علي "هاظ كذاب" وستكشف ذلك لوحدك.
لم يمضي من الوقت لوحدنا أكثر من نصف ساعة حتى حضر المشعوذ وسألنا عن حاجتنا موجها الكلام للشاب، الذي تبين لي انه كان يعمل معه مساعدا في اعمال الشعوذة.
يجيب الشاب المشعوذ ان صديقنا لديه موقع وابتسم بخبث.
نظر المشعوذ نحوي وسألني هل احضرت عينة من الموقع؟ أجبته نعم،، احضرت وسلمته كيس التراب.
ثم سالني..ما هي قصتك؟
وهنا انطلقت بسلسلة من الأكاذيب وبدأت اسرد رواية من بناة أفكاري..تتلخص ان والدي رحمه الله أبلغ والدتي قبل وفاته ان هناك كنز في حوض الزراعة..وقد حاول شقيقي الأكبر ان يحفر الحوض بحثا عن الذهب لكنه توعك وتبين انه مصاب بالسرطان ..ولم يعش طويلا ثم توفاه الله.
قاطعيني حينها المشعوذ قائلا..هذا الرصد ضربه فأصابه بالسرطان..وعلى الارجح ان الرصد مربوط بجن يهودي.
عندها أظهرت على نفسي ملامح الذهول والدهشة..واشعرته ان الخوف بدأ يتملكني..حينها طلب مني المشعوذ أسمي وأسم امي..وانه سيرجع لاتصاله بعالم الجن ومن خلالهم..سيعلم بالضبط ماذا يوجد في الموقع..وما هو نوع الكنز المرصود..طالبا مني مراجعته بعد مضي يومين لمعرفة النتائج.
خرجت من المنزل بعد ان ودعت المشعوذ، فيما بقي الشاب الذي كان يرافقني يحدثه منفردا.. وبعد لحظات تبعني ليكشف لي مزيدا من الحقائق اثناء ذهابنا الى مجمع باصات سحاب- عمان.
يقول الشاب انه كان يعمل مع المشعوذ..وكان الأخير يسند له مهمة الحديث مع الزبائن قبل ان يلتقيهم..وعندما يكشفون الناس لي أسرارهم..اتوجه الى المشعوذ لابلغه ما سمعت..وهذا كان يساعده كثيرا في أعمال الشعوذة اثناء لقاءه مع الزبائن الذين يقصدونه..عندما يظهر لهم انه عالم بالغيبيات.
ويضيف الشاب انه كان يتحدث مع المشعوذ عن كيفية تقاسم المال بينهما بعد ان يحتالا علي..مثل ضحايا سابقين احتال عليهم بعشرات الالاف.
في اليوم التالي توجهت الى جريدتي ( البلاد) وكان مقرها مقابل الجامعة الأردنية..فتوجهت مسرعا نحو رئيس القسم الزميل هشام العورتاني..وقصصت عليه ما حدث نعي بالأمس..فطلب مني ان أخذ معي بالمرة القادمة جهاز تسجيل وكاميرا في حال تمكنت من تصويره.
وعند موعد اللقاء اصطحبت معي الزميل باسل النيرب وقصدنا مدينة سحاب، حيث التقينا ذاك الشاب الذي كان بانتظارنا.. والذي استقبلنا بحفاوة وتوجهنا الى منزل المشعوذ..الذي كان ينتظرنا على أحر من الجمر..لنكون فريسته..كغيرنا من الحالمين بالذهب.
ابلغنا المشعوذ انه يوجد تحت عمق ثلاثة متر ونصف..ثلاث جرات مليئة بالذهب، إضافة الى تابوت يوجد بداخله كتاب نحاسي.
ويضيف المشعوذ انه يحتاح الى مبلغ 4 الاف دينار ثمن غرامات من بخور يدعى "روح الديك ون"، مشيرا الى ان هذا البخور لا يتواجد الا في الهند.. وهو يعمل على تخدير الرصد.
وحتى أشعر المشعوذ بمصداقية كلامنا..ابلغته انني لا أمتلك المبلغ كاملا..فاقترح عليان يكون شريكا بالكنز مقابل ان يدفع هو نصف المبلغ المتبقي.
انهينا الحديث معه على ان نحضر اليوم التالي ومعنا المبلغ..في الاثناء كان جهاز التسجيل يخزن ما يجري من حوار..وهنا تدخل الزميل باسل ونحن نستعد للمغادرة.. وعرض على الشاب الذي كان يرافقنا شراء الكاميرا بمبلغ 100دينار...ثم طلب تجريبها..وهو يدلعب المشعوذ الى ان التقط له عدة صور.
عدت الى الجريدة مباشرة وقمت بكتابة قصتي كما حدثت معي..فيما ارسل فيلم الكاميرا الى الاستديو لغايات (التحميض) والمعالجة...في اليوم التالي نشرت القصة بالكامل واحدثت ضجة كبيرة..وعلى اثرها اصدر متصرف سحاب قرارا بتوقيف المشعوذ عدة ايام بناء على طلب وزير الداخلية.