الرئيسية مقالات واراء
بين الضغوط الاقتصادية التي يمر بها الأردن، والمزاج الشعبي المضروب نتيجة حزمة القرارات القاسية التي تمت بموجب الاتفاق الموقّع مع صندوق النقد الدولي، وبين توجه منتظر لتعديل قانون ضريبة الدخل، وقرارات جديدة برفع الأسعار للعام المقبل، يتعقد المشهد أكثر.
هنا على الجميع أن يتوقف ويتفكر لأنه، ووسط هذه المعطيات، يبدو من الصعب تعديل المزاج لتجاوز السنة المالية، وذلك يحتاج إلى اتخاذ قرارات وخطوات لا تزيد العبء على الناس أولا، وثانيا تشعرهم أن الأمور ستكون أفضل.
أولى خطوات النجاح الاعتراف بأن الأردنيين لم يعودوا قادرين على احتمال مزيد من الضغوط، وأن الحلول التي تأتي على حسابهم هي "حلول مريحة"، لكنها الأكثر كلفة.
الإيجابي في الأمر أن تسمع وتتفق في هذا التشخيص مع بعض المسؤولين، لأن الاعتراف بالأزمة هو السبيل لحلها وليس إنكارها، كما أن إدراك حساسية الناس تجاه مزيد من القرارات القاسية سيدفع المسؤول للبحث عن حلول وخطوات تستجيب لمتطلبات الصندوق بعيدا عن إيذاء الناس وحياتهم.
الخطوات الممكنة ضبط حقيقي للنفقات من جميع مسؤولي الدولة، لأن النمط الاستهلاكي التفاخري من قبلهم ما يزال يضرب على عصب الأردنيين. صحيح أن النتائج المالية لهذا المقترح محدودة، لكن أثرها المعنوي بلا حدود، لأن فيه رسالة واضحة وقوية تقول إن الجميع يتحمل نتائج المرحلة الصعبة.
عدا عن ذلك علينا أن نقوم بخطوات تبعد سيناريو الحزمة الجديدة من قرارات زيادة الإيرادات التي يضمنها صندوق النقد في السنة الثالثة للبرنامج، وذلك لأكثر من سبب، الأول أن الناس لم تعد قادرة على تحمل المزيد، والثاني أن على المؤسسة الدولية أيضا، وبدون منة على الأردن، أن توازن بين الأبعاد الاجتماعية والأمنية لمتطلباتها المالية، إضافة إلى أن القرارات التي تمت في العامين الماضيين كانت كاسحة وواسعة وأكثر من كافية.
وثمة أثر اقتصادي خطير يلزم الانتباه إليه، فالمزيد من القرارات المشابهة ستعطب قدرة الحكومة على تنفيذ خططها المالية أيضا، إذ سنكتشف مع نهاية العام أن الخزينة لم تحقق ما سعت اليه وقيمته 550 مليون دينار، وهذا ما حدث في العام 2017 حيث لم تحقق الحكومة المستهدف بل تحصلت على إيرادات أقل بكثير مما كانت تسعى إليه، فهذا النوع من القرارات يعمق التباطؤ الاقتصادي، ويضعف من فرص تحقيق نمو اقتصادي وتنمية حقيقية تخفف من حدة المشكلات الاقتصادية.
اليوم، الأردن يحتاج إلى سياسيين ومسؤولين يدركون أن السنوات الحالية قاسية على جميع مواطنينا، وأن تحقيق متطلبات الصندوق فيما يتعلق بمؤشرات الدين والعجز بدرجة رئيسة ممكنة أيضا بدون اللجوء لقرارات تزيد من حدة المشكلات، وبذات الوقت تخفف عن الناس أوجاعهم المالية والاقتصادية.
القصة الثانية التي يلزم التوقف عندها هي قانون ضريبة الدخل الجديد، فهذه القصة لا تقل حساسية عن موضوع الخبز بالنسبة للأردنيين. ينبغي التفكير بعمق بكل نظامنا الضريبي، فليس المطلوب، فقط، توسيع قاعدة دافعي ضريبة الدخل، بل مراجعة النظام الضريبي لتحقيق العدالة في توزيع العبء، ولتكون ضريبة الدخل فعلا أداة رسمية في إعادة توزيع مكتسبات التنمية المنشودة، أما المضي بخلق مزيد من التشوهات في النظام الضريبي فلن يحقق الهدف الذي تسعى خلفه الحكومة.
ثمة قصة صغيرة على الحكومة أن تراجعها، وهي التراجع عن فرض الضرائب على الكتب والخضار والفواكه الطازجة مثل الخيار والبندورة، فهذه المنتجات في كل الدنيا لا تخضع للضريبة بل تتلقى دعما. المقترح الأخير ربما يكون غير ذي صلة، لكن القرار بصراحة مستفز وعلى الحكومة إعادة النظر به.