الرئيسية مقالات واراء
مع أن عدد مشاهدي شريط حفلة عرس قد يكون أكثر من عدد مشاهدي التلفزيون الاردني، الا ان التلفزيون عاقب أحد المذيعين الذي أخطأ بقراءة رابط التوجيهي وتمّ نقله الى اذاعة اربد.
اصلا لو قامت احدى المذيعات بلف طنجرة ورق دوالي اثناء النشرة لما اكتشفها احد، ولو أخذ أحد المذيعين نفس ارجيلة اثناء البرنامج الحواري لما التفت إليه أحد، حتى لو بث التلفزيون خطبة الجمعة يوم الاربعاء لما استهجن ذلك احد.
البلد في ازمة سياسية واقتصادية واجتماعية، والتلفزيون ما يزال يصور لنا ان اكبر مشاكل الاردن هي انعدام النظافة في حمامات عفرا، ومع ان نصف محافظات المملكة تشهد حركات احتجاجية ضد رفع الاسعار الا ان التلفزيون نقل بكل امانة ومهنية مطالب اهالي اليادودة بشبكة صرف صحي، وفي ظل حركة الاستياء الشعبي واليأس والاحباط من مواقف اعضاء مجلس النواب الا ان التلفزيون الاردني اعد تقريرا في غاية الاهمية عن استمتاع الاردنيين بالاجواء الدافئة في مدينة العقبة!
المذيع عوقب لانه قرأ الرابط بالعكس.. جميل ورائع، فلماذا لا نعاقب من يعكس الحقائق أيضا عن الشعب الاردني؟!
متى نرى التلفزيون يستضيف المحللين الاقتصاديين ليحدثونا عن ارقام وشبح المديونية بدل التقارير التي تتحدث عن ارقام الغزلان والحجل في محمية ضانا، متى نرى التلفزيون الاردني يدخل في مواجهة مباشرة مع رؤساء الوزراء السابقين الذين ادخلونا في نفق الاقتصاد المظلم بدل الحديث عن جهود سلطة اقليم البتراء في تنظيم دخول البغال والحمير الى المنطقة الاثرية، متى نستمع لصوت المعارضة السياسية على شاشات التلفزيون ايمانا بالرأي والرأي الآخر بدل استماعنا لطريقة تحضير المقدوس مرارا وتكرارا؟!
هجرنا التلفزيون الاردني، لانه منذ عقود يصور لنا صباح الوطن الجميل زيتا وزعتر وخبز شراك، بحيث لا يوجد على امتداد مساحة الوطن من يفطر ولو لمرة واحدة حمصا وفولا وجبنة صفراء، والعائلة ما تزال تجتمع في بيت الجد لتتغدى رشوفا او عدسا وكأن الأردنيين لا يعرفون الفاصولياء والباميا وصواني اللحمة، وفي نهاية الحلقة يظهر البرنامج احد شباب العائلة الطموحين حيث انشأ بدون مساعدة من احد مشروعه الاستثماري الذي ساهم في تعليمه وزواجه ومساعدة عائلته في تحمل تكاليف المعيشة الا وهو تربية الزغاليل!
فقط على شاشة التلفزيون الاردني ترى ان مشروع الزغاليل يدر دخلا اكثر من مصنع حرامات، وتزفيت الطرق الزراعية فقط ما يعاني منه سكان القرى وليس لهم علاقة بقرارات رفع الاسعار، والرقم الوحيد الذي يباهي به التلفزيون على انه انجاز وطني ويرتفع يوما بعد يوم هو فقط مخزون السدود من المياه!
طالما عكس التلفزيون صور حياتنا ومشاكلنا وكأننا نعيش في سويسرا، وتغافل عن كثير من الحقائق، أليست قراءات برنامج الاصلاح الاقتصادي كلها كانت بالعكس والقائمين عليها بدل ان يُنقلوا الى فراشهم نقلوا الى الوظائف العامة! فأين التلفزيون عن نقل تلك الحقائق؟!
ان كانت أرقامنا وإنجازاتنا واستثماراتنا وإصلاحنا وصحة مرضانا والثقة بمؤسساتنا كلها تسير بالعكس، فمن الظلم أن نعاقب مذيعا لانه قرأ رابطا بالعكس، بينما كل ما لدينا يسير بالعكس؟!