الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    انتصار الناصر

    قليلة هي الأخبار التي تفرح الأردنيين في الفترة الحالية، ومحدودة هي المنجزات الحكومية التي تلفت انتباه الناس. لكنّ خبرا مفرحا جاء أخيرا، حمل انتصارا كبيرا، ومنجزا مهما لأنه حمى الأردن من خسائر مالية باهظة.
    الخبر، باختصار، هو كسب الحكومة قضية تحكيم مشروع جر مياه الديسي، بعد أن أقرت هيئة التحكيم الدولية رفض جميع مطالبات الشركة التركية المنفذة للمشروع والبالغة 460 مليون دولار.
    ليس هذا فقط، بل إن القرار تضمن إلزام الشركة بدفع تعويض لوزارة المياه والري بقيمة 10 ملايين دولار، بالإضافة إلى أتعاب المحاماة والبالغة 12 مليون دولار.
    قصة مشروع مياه الديسي بدأت في العام 2009، وكان هذا تاريخ موعد إحالة العطاء، الذي بدأ تنفيذه في 2010، وانتهى في العام 2013. مزاعم الشركة قامت على أنه وخلال فترة تنفيذ المشروع التي تزامنت مع اندلاع الربيع العربي، تعرضت الشركة لخسائر كبيرة قدرتها بحوالي 346 مليون دولار، مضافا إليها الفوائد، ليبلغ إجمالي قيمة المطالبات 460 مليونا.
    الشركة ركّزت في الدعوة على حجج أن المجتمعات المحلية أعاقت عملها على امتداد خط المشروع، كما زعمت أن الظروف الأمنية والفلتان الأمني وحالة الفوضى التي مر بها البلد تسببت لها بخسائر كبيرة، عدا عن الخسائر الفنية.
    هذا المنجز سيسجله التاريخ في ملف وزير المياه والري د. حازم الناصر الذي قاد معركة القضية منذ لحظتها الأولى، إذ رفض الناصر وعلى مدى إنجاز المشروع دفع أي تعويضات كانت الشركة تطالب بها من خلال إبرام تسوية بين الطرفين بقيمة 140 مليونا، بينما عرض الوزير عليهم مبلغ 15 مليون دولار رفضها الأتراك أنفسهم.
    بعد ذلك بدأت إجراءات التقاضي، وقدمت الحكومة ممثلة بوزارة المياه وثائق يقول مطلعون إنها تملأ غرفة بمساحة 16 مترا مربعا. ويشهد قانونيون مخضرمون أن القضية لم تكن سهلة، ويرون في القرار وتفاصيله استثناء، وأن توقيته وماهيته يخدمان الأردن وسمعته في هذه المرحلة الصعبة.
    تعالوا نتخيل الوجه الآخر للقصة. ماذا لو خسر الأردن القضية، وصار لزاما على الحكومة أن تدفع ما طالبت به الشركة وقيمته 460 مليون دولار؟ وما مدى تأثير ذلك على مزاج الناس؟ وكيف ستكون انعكاساته المالية على الدولة، خصوصا أن قيمة المطالبة تقترب من قيمة الإيرادات المتوقع أن تجنيها الحكومة من حزمة القرارات الأخيرة، أي أن الحكومة ستدفع باليمين للأتراك ما حصّلته باليسار من الأردنيين.
    تأثير مثل هذا القرار، كذلك، على الاستقرارين؛ المالي والنقدي كبير، لأن الجميع يدركون حجم الضرر الذي سيقع عليهم في حال خسرت وزارة المياه القضية. الخبراء الماليون والنقديون يدركون تبعات مثل هذا القرار على الوضع القائم والمعقد أصلا.
    الناصر، وعلى مدى سنوات، أدار الملف وخاض المعركة حتى استطاع الظفر بها، رغم أنها كانت قضية في غاية التعقيد وفرص النجاة فيها محدودة جدا، وبالكاد موجودة.
    الجميع مستفيدون من هذا الخبر؛ الأردن وسمعته والخزينة، والأهم من ذلك كله هو حين يدرك الأردنيون أن لديهم بعض المسؤولين ممن هم قادرون على تحمل الواجبات بمسؤولية وبحق دون تنصل، وقادرون على العمل بإخلاص من أجل البلد.
    ثمة تفاصيل كثيرة شيقة ومثيرة تتعلق بإدارة ملف قضية مشروع الديسي، وأعتقد أن الأردنيين يتشوقون لسماعها، ومن هنا فإنني أطلب من المعنيين تقديمها للرأي العام، فهي فرصة جيدة لكي نطّلع على جهد وطني حمى أموال الأردنيين من الضياع.
    الخبر السيئ أن الناصر، وبعد تسجيل نجاح جديد يضاف إلى منجزاته السابقة، سيغادر الحكومة. غريب كيف تدار الأمور في بلدنا!!





    [25-02-2018 09:58 AM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع