الرئيسية مقالات واراء
نُصدم دوماً من صور ومشاهد (مثل عملية اعتداء بالضرب والتكسير باستخدام العصي والأدوات الحادة، من قبل "كونترولية باصات"، في جوار دوار المدينة الرياضية، وتناقلها المواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي) وكأنّها أمر غير طبيعي! بينما الحال في قطاع النقل العام منذ عقود على هذا النحو. فنسبة كبيرة من الكونترولية هم من الزعران وأصحاب الأسبقيات. والسائقون الذين ما يزالون يعملون على هذه الخطوط إمّا أنّهم مثلهم زعران أو مغلوب على أمرهم مضطرون من أجل كسب لقمة العيش على التأقلم مع هذه البيئة والصمت، أو التشبه بأيّ فرصة أخرى، كما يفعل كثيرون!
أول من أمس كان رئيس الوزراء يتحدّث عن مبدأ سيادة القانون، وعن حماية المستثمرين، وهذا مهم وضروري. لكن المطلوب أولاً حماية المواطنين ومن يضطرون إلى التعامل مع قطاع النقل العام، سواء الباصات أو سيارات الأجرة (السرفيس) أو التكاسي، فسيادة القانون هي منظومة موحدة لا تتجزأ، ولا تتفاوت، فإذا حميت المواطن وطبّقت القانون في كل مكان وفي الشارع، فإنّ ذلك سينعكس على مختلف مناحي الحياة.
هل هي قضية أخلاق، كما كنتُ أسمع للعديد من مذيعي البرامج الصباحية على الإذاعات أمس؟ صحيح طبعاً. لكن من قال بأنّ الأخلاق مستقلة أو معزولة عن مبدأ سيادة القانون ومفهوم المواطنة، فهنالك منظومة متكاملة؛ التشريعات والأخلاق والنظام والمؤسسات الفاعلة والثقافة الاجتماعية، وكلّ إصلاح يؤدي إلى الآخر والعكس صحيح!
لا تنفصل عن هذا المشهد قصص أحد النواب، التي أصبحت تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، وفيديوهاته وهو يقوم بضرب أحد الأشخاص، أو يعتدي على جيرانه، أو يتوعد صاحب مصلحة أخرى بجوار مصلحته، وهي قضايا تحتاج إلى تدقيق وتأكّد، لكنّ سرعة تصديقها وقبولها من قبل المواطنين تعود إلى أنّ هنالك شريحة من النواب هم من شوّهوا صورة الجميع، وكسّروا من هيبة المجلس، ونسبة منهم – للآسف- تفعل ذلك بمساندة كبيرة من الحكومة، لتبادل المصالح الخاصة بالثقة بتمرير السياسات والتشريعات! وهكذا نجد أنفسنا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، ولا تجدي أي انتخابات لامركزية أو بلدية في إخراج المجلس من الصورة الراهنة، لأنّ الثقة الأخيرة بالحكومة (بعد مذكرة الحجب) لم تكن لتحدث لولا المقايضات في الغرف المغلقة! سيادة القانون لا تُجزَّأ، هنا أو هناك، ولإثبات ذلك من الضروري أن يقوم المسؤولون ورئيس مجلس النواب بمراجعة القصص والفيديوهات ورفع الحصانة عن النائب إذا اقتضى الأمر.
بالعودة إلى موضوع الحادثة وقطاع النقل العام فإنّ المطلوب من وزير النقل وليد المصري، اليوم، أن يدشّن حواراً حقيقياً بين المؤسسات المعنية؛ النقل والأمن والبلديات، لتأهيل سائقي الباصات والكونترولية قانونياً وإدارياً وأخلاقياً، ووضع أنظمة جديدة، مرتبطة بحقوق هذه الشريحة التي أصبحت على ما هي عليه لأنّها تعيش تحت الأرض، فهي طبقة ارتوازية، أغلبها بلا ضمان ولا تأمين صحي ولا رعاية، وتخضع لقانون الغاب من أجل تأمين لقمة الخبز!
من الضروري اليوم إعادة النظر في حال هذا القطاع؛ ونحن نطالب المواطنين بتغيير النمط الاستهلاكي. فلنبدأ بالوزراء والمسؤولين فليستقلوا الحافلات العامة، بصورة غير رسمية، حتى يعاينوا الوضع، ويقفوا على المشكلات، فلماذا لا نجد الوزير يركب يومياً – مثلاً- في باصات عامة، ويأخذ ملاحظات وحده؟! من دون ذلك فلا قيمة لمفهوم العمل الميداني أو التواصل بين المسؤول والمواطن!
إمّا سيادة القانون أو منطق المافيات والشلل وقانون الغاب، ليس فقط في قطاع الاستثمار، بل في كل مجالات الحياة ومناحيها.