الرئيسية أحداث محلية
أحداث اليوم - حين يتحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن “العثمانيين” باعتبارهم “ضلعاً من ثالوث الشرّ”، فعلى الدولة الاردنية أن تدرك أنها معنية تماماً بالأمر، فتوصيف تركيا بـ “العثمانيين” كفيل لشرح البعد الديني والتنافسي في القيادة بين بن سلمان وتركيا وحسبما يراه الامير السعودي.
الامير بن سلمان قال ذلك ضمن جلسة مع اعلاميين مصريين قبل يومين، وهو يوصّف رؤيته للخطر على المنطقة والقادمة من “ثالوث الشر” والذي اعتبر اضلاعه مكونة من “العثمانيين وايران والمنظمات الارهابية”.
التصريح المذكور يؤكد أن قراءة “رأي اليوم” للأزمة بين المرجعيات الدينية صحيحة، حيث المرجعية المكّية في ضيافة الأزهرية، تهاجمان المرجعية العثمانية والتي اليوم تقترب منها المرجعية التي تتسلط عليها كل الاضواء، وهي المرجعية الهاشمية الراعية للمقدسات في بيت المقدس، وحيث الاخيرة هي الوحيدة التي تملك “الوصاية” على مقدسات اسلامية ومسيحية في القدس بعكس الاخرين وهو ما يبحث عنه ولي العهد السعودي وهو يطوف الكنائس داعياً اياهم لزيارة السعودية.
دحر الدولة العثمانية في الماضي تطلب عمليا “وقفة” من الهاشميين، فالاخيرون هم من قادوا الثورة العربية الكبرى، وكان حاجز التاريخ دوماً يمنع التقارب الاردني (باعتبار الاردن اخر الدول ذات الحكم الهاشمي) مع الاتراك، الامر الذي يروق تماماً للسعودية، وبالتالي منطقياً فإن انعكاس الاية يقلق السعوديين، حتى وان كانوا من دفعوا دولا كثيرة للحضن التركي.
بالنسبة لولي العهد السعودي تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان تستثمر كل الأزمات لصالحها، وبالتالي باتت تسحب عملياً بساط الزعامة الاسلامية من السعودية، حيث استمالت الدول الافريقية الاستراتيجية، وها هو المبعوث السعودي يحاول اللحاق بها من دولة الى اخرى (حصل في السودان ان غادر الرئيس اردوغان فذهب مبعوث سعودي لزيارة البلاد، وهذا ما يحصل الان في الجزائر حيث وصل وزير الداخلية السعودي قبل كل نظرائه المفترض اجتماعهم في الجزائر الاربعاء)، كما تعقد أنقرة شراكة قادرة على “دق اسفين” في مشروع السعودية الضخم “نيوم” عبر الاستثمار في الميناء الجنوبي في الاردن (ميناء العقبة) عبر اتفاقية شراكة ستتطور حال وصول الرئيس التركي للعاصمة الاردنية، وفق معلومات “رأي اليوم”.
ملفات كثيرة أخرى سحبتها تركيا أردوغان بدهاء من ولي العهد السعودي الامير بن سلمان، الامر الذي قلب معادلة القيادة عمليا في العالم الاسلامي، فباتت الكفة تميل تماماً لصالح الدولة العثمانية او العثمانيين كما قرر الامير الشاب الجدليّ تسميتها.
في الأثناء وبينما ترسل الرياض معلومات مقتّرة لعمان عما تريد ان تفعله في اراضيها الجنوبية، وتوحي ضمناً بأنها قد لا تعمل مع حكومة الاردن اصلا وانما عبر وسطاء ومستثمرين، يبدو الاتراك اكثر اندفاعاً، ويرسلون رسالة صريحة وهم يدافعون على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو عن الاردن ويطالبون بوقف الضغط عليه وعلى الفلسطينيين ازاء امين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط في ميونخ الالمانية.
الرسالة في تلك الحادثة كانت واضحة للاردن: “هناك اخيرا من سيدافع عن مكانتكم، و سيحمي مرجعيتكم الدينية ولن يتغوّل عليها، واكثر من ذلك هناك من يريدها ويطلب ودّها، مقابل مرجعيّتين احداهما تضغط عليكم ضد مصالحكم والاخرى تتجاهل ذلك في احسن احوالها”، ورغم ان عمان على الارجح لم تطلب هذا الدفاع وقد لا تكون تريده عمليا، إلا ان هذا لا ينفي ان الموقف ذاته نفخ “نفحة سلام” في روح العلاقات بين انقرة وعمان، قد تستمر طويلا.
الموقف ببساطة يوحي بالتالي: السعودية تروّج ما تريده من مؤتمر القمة العربية القادم (نهاية اذار/ مارس الحالي)، وعلى ما يبدو ان العرب، بما فيهم عمان سيجدون انفسهم امام خيارات صعبة سواء في البيان الختامي المشترك او حتى في النقاشات، وهنا الحديث عن “تركيا- ايران” ومن يتحالف معهما والمقصود بالدرجة الاولى سيكون قطر ثم ستكون دولا كثيرة في المرمى، وبينها الاردن وهو من له مكانته المميزة اصلا.
وما استطاعت عمان ان تتجنبه في بيان القمة العربية الاخيرة (في البحر الميت) من ادانات شرسة، سيكون من الصعب تجنبه حين تقود “رياض محمد بن سلمان” المشهد.
في المقابل، عمان لن تنال اعطيات كالتي حصلت عليها مصر على الاغلب من السعودية، لا في حال ابتعدت عن تركيا ولا في حال اقتربت من الرياض، فالمنافسة على “الوصاية على القدس” اليوم في صلب اهتمامات الامير الشاب، والمطلوب من عمان هو التنازل عن هذه الجزئية تحديدا. بالاضافة الى ان السعودية تنظر لاي انتعاشة في الاقتصاد الاردني على انها اصلا ضربة للمشروع السعودي التطبيعي المتزايد في المنطقة.
من هنا فعلى عمان ان تقرأ المشهد جيداً، حيث الوصاية على المقدسات اساسية وضرورية في الاولويات السعودية القادمة بينما يرسل الاتراك رسائل بحمايتها ورعايتها، والعثمانيون تتم شيطنتهم مجددا رغم انهم لاعب مهم في معادلة المنطقة جغرافيا وسياسيا، وايران التي هي عمليا على حدود الاردن الشمالية والشرقية لا تحتاج عمان لعداوتها.
الايام القليلة القادمة يبدو انها تحمل خيارات صعبة للعاصمة الاردنية تهدد الكثير من ثوابتها، ولكن مآلات الوضع هي ما لا يمكن التنبؤ به."رأي اليوم _ فرح مرقة"