الرئيسية مقالات واراء
لم يكن غياب مقال الأستاذ طارق مصاروة ليوم واحد عن الزميلة "الرأي" ليمر دون أن يتوقف القراء عنده ويسألوا عن سر الغياب. مصاروة ولظروف صحية قاهرة توقف عن كتابة مقاله منذ سنة تقريبا ولم يفكر سوى قلة من الأصدقاء بالسؤال عنه.
الأستاذ فهد الفانك يواظب على الكتابة يوميا رغم المرض والإعياء. ولو لم يبادر رئيس الوزراء بزيارته في لفتة إنسانية مقدرة، لما أدرك الناس حجم المعاناة التي يكابدها الرجل لمواصلة كتابة مقاله اليومي.
قبل أن تغزو التكنولوجيا الإعلام، وتحاصر الصحافة الورقية، كان الأساتذة مصاروة والفانك وطاهر العدوان وصالح قلاب ومحمد كعوش وفخري قعوار وراكان المجالي ومحمد داودية وأحمد سلامة وباسم سكجها وجورج حداد ومحمود الشريف وخالد محادين رحم الله ثلاثتهم الأخيرين، أسماء تشكل مقالاتهم دليل وعي الأردنيين، سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا.
غاب بعضهم مكرها بعد أن ضاقت بهم ساحة الصحافة الورقية، وعاد آخرون للكتابة في الصحافة والفضاء الإلكتروني. لكن المرحلة الذهبية انقضت بكل أسف.
وفي عقد التسعينيات قدمت الصحافة الأردنية أجيالا من كتاب الرأي البارزين؛ الأساتذة عريب الرنتاوي وخيري منصور والشهيد ناهض حتر وموفق محادين وياسر زعاترة
وعبد الهادي راجي المجالي ويوسف غيشان.
وحتى دخول الألفية الثالثة ظل الورق منجم الكتاب فبرز جيل جديد من الكتاب؛ الزملاء سميح المعايطة وجميل النمري وأحمد الزعبي وأحمد أبو خليل وجورج حواتمة ومحمد أبو رمان وجمانة غنيمات وياسر أبوهلالة وأيمن الصفدي وحسين الرواشدة وماهر أبو طير ونبيل غيشان وسلامة الدرعاوي وعمر كلاب وباتر وردم الذي غادر الصحافة الورقية مكرها. وأسماء أخرى وازنة.
الصحافة اليومية بصحفييها وكتابها هى المساهم الأكبر في تشكيل ثقافة ووعي الأردنيين على مدار عقود مضت. لم تقدم مؤسسة أخرى ما قدمته للأردنيين. سنوات الحبر والورق كانت الأعذب والأجمل والأرقى مهنيا وإخلاقيا.
صحافة تحترم الذوق والقيم بلغة رفيعة وجريئة دون إسفاف أو تحقير. قاسية لكن بأدب يقدر حق القارئ بالمعرفة المفيدة، وبسقف من الحرية لا ينتهك كرامات الناس وأعراضهم.
حتى صحافة الناس وأخبارهم كانت شيقة ولذيذة أكثر من أيامنا هذه. من كان لايتابع زاوية الاستاذ ممدوح حوامدة "اخبار الناس" في "الرأي" كان لها في ثمانينيات القرن الماضي نكهة طيبة. أخبارها مصاغة بدفء لاتشهير فيها ولا ابتزاز.
سنوات الحبر والورق انقضت أو تكاد؟ ليس لدينا أوهام بهذا الشأن. في العقد المنصرم شهد العالم ثورة تكنولوجية هائلة في الاتصالات قلبت الدنيا رأسا على عقب. إعلام"الديجيتال" أحتل الصدارة وجلب معه إعلام التواصل الاجتماعي. المواطن صار صحفيا وكاتبا للرأي.
حقبة يشكو العالم كله من تداعياتها المدمرة، لكنها الحقيقة التي لا مفر منها.
تدرك الصحافة الورقية هذه الحقيقة وتتفاعل معها لتحفظ لنفسها مكانا، وقد تمكنت عديد الصحف حول العالم وفي بلادنا العربية من المحافظة على مكانتها وقدرتها على التأثير في تشكيل الرأي العام.
لكن ونحن في زحمة "التواصل الاجتماعي" حري بنا أن لا ننسى أجيالا من الكتاب المؤسسين لم تكن حروفهم مجرد كبسة على أزرار إنما رصاص مصفوف.
إليهم ولزمنهم سنبقى نحفظ الجميل.