الرئيسية مقالات واراء
اتخذ مجلس الوزراء في جلسته هذا الأسبوع حزمة واسعة من القرارات قال إنها "ترمي لتشجيع الاستثمار لغير الأردنيين المقيمين على أرض المملكة، وحملة الوثائق وجوازات السفر المؤقتة". وشملت القرارات أيضا تسهيلات لاستعادة زخم السياحة العلاجية وتعديل التعليمات الناظمة للمرضى الوافدين.
وتندرج هذه السياسات وفق بيان الحكومة في إطار خطة تحفيز النمو الاقتصادي التي تبنتها الحكومة في وقت سابق وبدأت في تطبيقها بعد أن انتهت من إجراءات تصحيح الاختلالات في المالية العامة والتي أثارت جدلا شعبيا واسعا.
وفي الجلسة الحكومية ذاتها عين مجلس الوزراء مديرا جديدا لدائرة ضريبة الدخل هو حسام أبوعلي مدير دائرة الإيرادات في وزارة المالية. عرف عن أبوعلي تشدده في تحصيل الإيرادات للخزينة، وتعيينه في هذا الموقع بمثابة رسالة من الحكومة تؤكد فيها نيتها محاربة التهرب الضريبي الذي يهدر دخلا صافيا للخزينة يقدر بمئات الملايين من الدنانير.
الحكومة إذاً تعمل على مسارين؛ زيادة فاعلية التحصيل الضريبي، والسعي بكل الوسائل لتحفيز النمو الاقتصادي،لأنه وبخلاف ذلك لن تستطيع أن تحقق المبالغ المستهدفة في موازنة 2018 التي يشكك خبراء اقتصاديون حتى اللحظة بقدرة الحكومة على تحقيقها في ظل حالة الركود الاقتصادي الناجمة عن القرارات الضريبية الأخيرة.
لاشك بأن حزمة المحفزات الأخيرة ستترك أثرا إيجابيا على سوق العقارات والسيارات، وتضيف دخلا للخزينة، مثلما تساهم السياحة العلاجية في تحريك عديد القطاعات، وهي إجراءات تأجلت طويلا دون مبررات مقنعة وضيعت على الاقتصاد الأردني فوائد كان يمكن تحقيقها على مدار سنوات طويلة مضت، كما الحال مع قرار منح الجنسية للمستثمرين الذي اتخذته الحكومة مؤخرا.
لكن وفي السياق ذاته يتعين على الحكومة أن تلتفت إلى القطاعات الانتاجية؛ الصناعة والزراعة وسواها من الأنشطة، والتفكير جديا بتجاوز النموذج الحالي للاقتصاد االأردني الذي يمنح الأفضلية للسياسات المالية والنقدية على حساب القطاعات الإنتاجية.
لقد أصبح هذا النموذج مكلفا بحق، فهو يقوم على مبدأ الاحتفاظ باحتياطيات نقدية عالية بالعملات الأجنبية لكسب الثقة والحصول على مزيد من القروض وتوفير مثل هذه الاحتياطيات يتطلب ضمان تدفقات مالية مستمرة، قد لاتسعفنا الظروف السياسية والإقليمية على تأمينها كما هو حاصل حاليا، ويجبرنا داخليا على رفع نسب الفائدة.
وقد ادى الاعتماد المفرط على هذا النموذج إلى زيادة الاستهلاك الذي يعتمد بنسبة كبيرة على المستوردات التي بدورها تستنزف مبالغ كبيرة بالعملة الأجنبية، وعلى المدى المتوسط يضعنا تحت رحمة المؤسسات النقدية العالمية، وصندوق النقد الدولي الذي بدأ يميل للتعامل مع الأردن بطريقة قاسية وغير مسبوقة.
وحسب تقدير خبراء فإن مخاطر هذا النموذج تتجلى في العجز المتنامي بميزان المدفوعات ونمو الودائع والعجز التجاري.
إن إعادة الاعتبار لدور القطاعات الانتاجية سيخفف من أعباء السياسة النقدية التي تمسّكنا بها لسنوات طويلة، حتى بلغنا مرحلة بتنا فيها غير قادرين على الوفاء بمتطلبات إدامتها، وقد يضعنا هذا الموقف أمام خيارات أحلاها مر.