الرئيسية مقالات واراء
عبدالهادي راجي المجالي
وطني كان جميلا مختلفا , فقد كان (البابونج) حين كنت طالبا في الصف الأول ثانوي , علاجا ناجعا لكل الأمراض بما فيها الحب والشوق للكرك...
كانت الصحون تتسع لكي تطعمني أنا وابن الجيران , ويبقى فيها ما يفيض عن الحب , فالطعام حين كنا نأكله نشعر فيه بطعم الحنان والحب..
لم يكن هنالك (فيس بوك)..لم يكن هنالك مجتمع شرس ,بحجم شراستنا الان , وكانت الحكومات كتلة من الهيبة والوقار المنثور على ورق الجرائد أو شاشة التلفاز..ما زلت أتذكر مضر بدران وهو يزور المحافظات مرتديا شماغا أحمر, ويظهر في الصورة محافظ الكرك أو معان , وقد وضع أمامه علبة سجائر من نوع (ريم) وينفث دخانه , بشغف..والرئيس أمامه كأس من الشاي وقد ارتشف نصفه , وينتظر ارتشاف ما تبقى.
كانت سوسن تفاحة , تمثل هيبة المرأة...كنت أنتظر دوما أن تتلكأ أو تخطىء في قراءة النشرة الإخبارية , ولكنها لم تفعل ذلك وكنت أسأل نفسي كيف تحفظ هذه السيدة نشرة الأخبار (كرجة ميه) وأنا أمضيت أياما طويلة في حفظ , قصيدة بدر شاكر السياب: (غريب على الخليج)...ولم أفلح , لم أكن أعرف وقتها أنها تقرأ من شاشة أمامها.
أشياء كثيرة , وجميلة كانت تشدنا..والبندورة كانت تؤكل قبل أن تطبخ , يكفيك أن تفغم (حبة) منها قبل العشاء لإسكات جوعك..كانت لذيذة جدا , كيف سرقوا من البندورة مكانتها ولذتها...وصارت مركونة في الأسواق , تشبه لحنا قديما ما عاد يناسب هذا الجيل أبدا.
كل شيء تغير , حتى البنات..هن الأخريات تغيرن , لم يعد هنالك جدائل منثورة على الكتفين , ولم تعد ليلى.. تمشي من حارتنا , ونخاف عليها..وهي تصعد أدراج منزلهم من مطر تشرين فقد يبلل المريول الأخضر..
أشعر احيانا أني أعيش خارج سياق زمن ليس بزمني , ولا أعرف ماذا تغير..الحب أم الأرض أم أن الإنسان هو الذي تغير.. كل شيء تغير حتى البندورة هي الأخرى..صارت تحتج وتثور وتنثر في الشوارع...اي زمن هذا الذي تتمرد فيه البندورة على الأفواه ؟
والدمع أيضا لم يعد مالحا مثل زمان , أصلا لم يعد هنالك من أحد يستحق دمعة .