الرئيسية مقالات واراء
مات روائيٌّ فلسطينيٌّ قدمَ لنا أنفسَ الأعمال الروائية والقصص. أمضيتُ عصر اليوم نصفَ ساعة وأنا أتحدّث عن جمال ناجي لنائل العدوان، عصرًا. لا أدري أي إشارة هذه! منذ شهر وأنا أسردُ للأصدقاء على فيس بوك رأيي برواية جمال ناجي "غريب النهر"، وكتبت عنها قراءة سريعة قبل أسبوع. كنتُ أريدُ أن أسأل جمال ناجي "لماذا لم يمت عمي اسمعين" بطل روايتك؟! لماذا تموت عائلة "أبو حلة" في شهر آذار فقط. مات جمال ناجي ولم يرَ صورتي في الشونة التي زرتها لأقرأ روايته بمكانها، كما نشرت هنا قبل أيام!
مات الرجلُ الذي هندسَ نهر الأردن ورفع راية فرسان معركة الكرامة والفدائيين الفلسطينيين البواسل. مات رجلٌ وحيد. ربما كان في نزعه الأخير بينما أسردُ لنائل العدوان وأحمد عيد سيرة جمال ناجي. سيرة الفلسطينيّ الحقيقي. جمال، يحلقُ عاليًا، يبحرُ في زرقةِ فلسطين ويرتوي من ماء نهر الأردن. يعبرُ أبديةَ النهر لينام في قرية العباسية مع شهيدِ في العشرين وشاعرٍ في الثلاثين. إنّه الموت، الشيء الوحيد الذي لا يكذب كما يقول صادق هدايت. مات جمال ناجي، عاليًا، عاليًا يا جمال ناجي. هناك في غربة الكُتّاب العرب الذين يموتون فنذكرهم. كنتُ محظوظًا لأنني آخر من كتب عنك. كنتُ تعيسًا لأنني أعيشُ في زمنٍ يغادره الحقيقيون بينما أدخله.
كل أبطال رواياتك، يحدقون الآن بإغماضة عينك، كل الحبكات والعُقد والذروات تقف باسمة لاستقبال موتك المهيب مثل أفعال الخَلق والقصّ التي تركتها. تخيل أي طربوش ومزنوك وثوب فلاحي يستقبلك الآن! تخيل أي بُقجةٍ سَتُحلّ لتلبسَ الأبيض النقي مثل سيرتك! أيّ شهقةٍ ستفورُ من فمِ قارئٍ يفهمُ سرَّ أصواتك في القصّ وأقبية متنك ومبناك الأدبي! ثمّة سربُ نساءٍ فلسطينيات يقفن على شفاه نهر الأردن ويستقبلن سرك الإلهي السابح في المسرة الأبدية. هناك حيث ينتشي الفلسطيني بموته. عاليًا، عاليًا، عاليًا يا جمال ناجي!