الرئيسية مقالات واراء
جمانة غنيمات
ثمة إحساس خطير يسيطر على شريحة واسعة من الأردنيين تتفاوت معدلات مداخيلهم. هذا الشعور يكمن في إحساسهم بالفقر وقيامهم بتصنيف أنفسهم على أنهم فقراء كلما اتخذت الحكومة قرارا بزيادة أسعار سلع أو ضرائب أو حتى رسوم.
المجادلة طويلة تبدأ بالاحتجاج على رفع الأسعار، يلي ذلك تساؤلات عن جرأة الحكومة على زيادة الأسعار على الفقراء. ألم تعترف الحكومة نفسها بأن الأسرة البالغ دخلها 850 دينارا شهريا هي فقيرة، وتتكرر هذه المعلومة وتتداول رغم عدم دقتها.
رقميا، المعلومات المتداولة بين الناس خاطئة وغير دقيقة، فآخر بيانات حكومية صدرت في العام 2008 تقول إن خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) يقدر بـ 813.7 دينار للفرد سنويا (67.8 دينار شهريا) أي ما يعادل 366 دينارا شهريا للأسرة المعيارية (5.4 فرد)، فيما بلغت نسبة الفقر في المملكة 14.4 %.
بعد ذلك لم تتوفر أي أرقام رسمية حول الفقر باستثناء أرقام خرجت في العام 2016 بناء على مسح دخل ونفقات الأسرة في 2014، وقدرت النسبة بحوالي 20 %، لكن الحكومة نفتها وتحفظت على نشرها، وهذه نتيجة طبيعية لكل السياسات الرسمية.
السؤال المهم: لماذا يشعر الأردني بالفقر بشكل يفوق حجم المشكلة نفسها، فالأرقام التي يرددها الأردنيون وتصنيفهم غير العلمي للمشكل بعيد عن واقع الأرقام التي تقول إن الأسرة التي يزيد دخلها الشهري عن 366 دينارا ليست فقيرة، وإن الفرد الذي ينفق حوالي 68 دينارا شهريا خارج دائرة الفقر.
الأرقام نفسها تخضع لامتحان صعب، وتولد عديد أسئلة، أبرزها كيف يكفي هذا المبلغ القليل لحياة كريمة؟ بصراحة، المبلغ لا يمكن أن يوفر الحياة الكريمة، لكنه وفقا للمعايير العالمية فصاحبه ليس فقيرا، بيد أن من ينفق هذا الدخل يصبح وجوده في دائرة الجوع شبه أكيد في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والاحتياجات الأساسية.
بعيدا عن الآراء غير العلمية حول أرقام الفقر التي يرددها الأردنيون، نحتاج إلى قراءة الظروف الموضوعية التي قادت إلى هذه النتيجة، وكذلك دراسة الحالة النفسية التي تولدها مثل هذه القناعة، فهذا مزاج يلزم الالتفات إليه وعدم إهماله، كما نحتاج إلى وضع خطة يتشارك فيها المسؤولون التنفيذيون والفنيون ممن لهم تماس مباشر مع المواطن، بحيث يسأل كل مسؤول منهم عن دوره في توليد هذا الإحساس. فقطاع نقل عام بائس مهترئ يولد هذا الإحساس، وقطاع طبي لا يقدم خدمة صحية وطبية لائقة يعمقه أكثر، ونظام تعليمي بغرف صفية مكتظة يكرسه أيضا، إلى غير ذلك الكثير.
ثم على الحكومة أن تقيم السياسات العامة على مدى العقود الماضية التي خلقت نمطا استهلاكيا غير صحي، وأن تسعى لتصحيحه بالسياسات أيضا، وإلا كيف تفسر لنا الحكومات هذا العدد غير العادي من السيارات الفارهة التي تجوب الشوارع! وكيف تبرر هذا العدد من سيارات الركوب الشخصية، لولا أنها قصرت في ضبطه وفي إيجاد نظام نقل عام لائق!
ربما يتطلب التشخيص دراسات اجتماعية، وأخرى نفسية تدرس أبعاد هذا الشعور وماهية انعكاسه على المزاج العام أولا، وعلى بنية منظومة القيم التي تحكم المجتمع، ومدى الدور الذي يلعبه الشعور بالفقر في تكسير هذه القيم على شاطئ الواقع الصعب الذي يعيشه الأردني.
الإحساس يبدو أكثر خطورة في ظل ضعف نوايا الالتزام بدولة القانون والمؤسسات، فالفقر، يا سادة، ليس فقط فقر المال، بل، أيضا، هو عدم الشعور بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وأهم من ذلك، عدم الاطمئنان بالأمل إلى مستقبل أفضل من الواقع المعاش.
بعد الالتفات للحالة ودراسة النتائج الخطيرة لإحساس الأردني بالفقر الذي تتسع دائرته يوما بعد يوم، والوقوف على الأسباب، نحتاج إلى ورشة عمل مفتوحة لعلاج المشكل، علّنا نخفف من شعور الأردني بالعوز.
رغم كل هذا.. تأتي الحكومة بقانون جديد يوسع شرائح دافعي ضريبة الدخل!!