الرئيسية مقالات واراء
عدتُ من الرمثا قبل قليل. هناك من بيتي الذي يبعد عن الحدود أمتارًا؛ سمعتُ أصوات حرب طاحنة، قصف بالسلاح الثقيل، مدفعية وطيران أيضًا. صوت يشبهُ انبعاج سطل ماء بحجم السماء. بيوت تهتز ويختار الصوت أول جدار أمامه ويرتطم ليردم صمت المدينة. ثمّة فزع حقيقي. المستشفيات ممتلئة، لا مكان لولادة أو جريح أو مكسور. ثمّة طفل يبكي منتصف إسعاف مستشفى الرمثا، طفل مصاب جاء به الجيش الأردني ولم يعرف شيء عن أهله! طيب، عندما يتعافى هذا الطفل من جراحه، من سيخرجه من المستشفى؟ الأهم.. إلى أين سيذهب؟
المدينة خائفة، حزينة لا تغنيها شوفانيات الإعلام ومؤيدي الأطراف المتصارعة عن سقوط قذيفة كالتي قتلت الشاب عبد المنعم الحوراني، لا أحد يفيد القتلى والجرحى. تصارعوا كما تحبون، لكن بأي زبلٍ سنكتب تاريخ هذه المرحلة؟!
سألنا ابن عمتي نوال "حمودة" عن أسباب حبه للنوم في بيتنا قبل 25 سنة؟! قال: "أحلى شي بالنومة هون لما نتمدد بالبرندة (السيباطة) ونصير نسمع صوت سيارات خط الشام بنص الليل وهي تعمل فيـــــــــف"، يقصدُ حمودة صوت مركبات "Dodge 1969" الصفراء التي كانت تمر مثل طائرة نفاثة ويقودها سوريٌّ أوصل بضاعته وعاد. هذا أعلى صوت كنا نسمعه في الرمثا ليلًا.
كان صوت مركبات الخط والأفراح أعلى الأصوات. ليل الرمثا لا يعرفُ إلّا صخبَ خط الشام وأبو حماد حينما يؤذن وصوت الفرح، تعرفُ الرمثا صوت شبابة غازي مياس في السبعينات، حتى لو كان العرسُ في الچيال أو دبة نمر، كنا نسمع الصوت في سكون الليل. "ارصف، واحد وماشي، اردف ثلاث"، وهذه جمل يقولها قائد الدبكة في العرس. العرسُ الذي تغير طعمه في حوران وأصبح على وقع القصف والقذائف. أعداء الفرح والحياة يقصفون حوران، إنهم يذبحون السمع والذاكرة والمستقبل.
حوران تئن فعلًا والحوارنة لا ينامون، بينما يمسك الجيش الأردني قادة ميدانيين من الجيش الحر يلبسون ملابس نسائية بصدور وهمية ليخدع الجندي الأردني! ربما نفس القائد الميداني الذي هددَ الأردن في الفيديو المشهور، لكنه غير تهديده: "اسمع يا عبد الله رح نيجيك ونترك بشار" ولبس صدرًا كرتونيًا وعباءة سوداء مثل أي محارب "قد حكيه"!