الرئيسية مقالات واراء

شارك من خلال الواتس اب
    حق السؤال ومشروعية الحيرة في حكومة الرزاز

    عدنان محمد عبيدات


    يَحَارُ المرءُ المُتَتَبعُّ لمسار الحكومة، منذ تولِّيها الزِّمَامَ وحتى يومنا هذا، يحارُ في توصيف وتصنيف حالِها وقراراتِها وسُلُوكِها وإدارتِها للشأنِ العام بعد أن جاءت صاحبةُ الولاية في الهزيع الأخير من ليلٍ بَهِيمٍ ربما كان واعِداً بفجرٍ جديد، وربما كانت البلادُ مع بزوغه على وشك أن تتحوَّلَ - لو قُدِّرَ لها ذلك - إلى التنعُّمِ بِغَدٍ أفضلَ عبر مسيرة إصلاحٍ شاقَّة تتسم بالصَّرامة والشمول، وبالتدرّج من العَوَزِ إلى الإكتفاء، ومن المرض والإعياء إلى التعافي والشفاء، ومن التبعية للغَيْر إلى الإعتماد على الذات، ومن دَوْرِ المتلقي المفعول به إلى دور الفاعلِ المؤثرِ المتحرِّرِ المالكِ لإرادتِهِ المُستقِلِّ بِقرارِه.

    هـذا التحوُّلُ، إن عاجلاً أو آجلاً، هو تحوُّلٌ حَتْمِيٌّ لا مَفَرَّ منه، لا زلنا ننتظرُ أن تلوحَ تباشيرُه في الأفق. ونرجوا أن يكونَ مخاضُه ميسوراً سَلِساً على يد قابلةٍ موثوقة، حاذقةٍ مخلصة، ذاتِ يَدَيْنِ طاهرتَيْنِ غيرِ ملوثتين ... فهل تكونُ الحكومةُ الحالية هي تلك القابلة القانونية الموعودة! وهل نحن فِعْلاً على أعتاب مرحلةِ تغييرٍ جَادٍّ في السياسة وإدارة مصالح الدولة وتحقيق طموحات الشعب، على افتراض أنَّ حكومتَنا حُرةٌ طليقة تختلف عن سابقاتها، وقد جِيءَ بها للإصلاح وليس لتغليظ الجِباية، أي بمعنى استبعاد أنها قد أَتتْ لترويض الرَّعية دخولاً بالتليين والتبرير والتزيين، باتباع أسلوبٍ سياسيٍّ معروفٍ سَبَق أن جُرِّبَ وأَثبَتَ نجاعتَه حين فُرِضَ على الناس قانونُ ضريبة المبيعات المتزايدُ القيمة المتدرّجُ النِّسْبةِ، مُضِيًاً بلا توقّف حتى النهاية في سلسة الإجراءات المعهودة، ثمّ خروجاً من بعد ذلك ليأتي دورُ سَنِّ وتمرير قانون ضريبة الدخل بصيغته المُخَفَّفَة بعض الشيء في مرحلة البداية، ليتبعه الرفع التدريجي اللاحق بعد أن يصبح واقعاً مفروضاً على إيقاع اكتمالِه بَدْراً مِنْ بَعدِ هِلال!

    وهنا نتساءل بادىءَ ذي بدءٍ، هل نحن تَغَيّرْنا أم تغيَّرت السياساتُ الحكومية! أم لا نفتأُ كِلانا ندورُ في حلقةٍ مفرغة كما حالُنا دائماً، بل هل لا نزال نتبدَّلُ في الشكل ونستثني الجوهر؛ نَحْيَا بقواعد اللعبة ذاتِها باستبدالِ الثوبِ فقط، ولا نَرْعَوِي عن ممارسة القول دون مباشرة الفعل! ولا نُحْسِنُ مراجعةَ الحال أو النظر في تصاريف المآل! فإذا كانت الأخرى (الدوران في الفراغ)، فإلى متى ستَبقى أَحْلامُ اليقظة تُداعِبُنا! وحتَّامَ سنظَلُّ في قَفْرٍ يَبَابٍ يغشاهُ سَرابٌ يحسَبُه الظمآن ماءً!

    حتى يستبينَ الأمرُ وتتّضحَ معالِمُه، ولكي نعرفَ أينَ نحْنُ وإلى أية ناحيةٍ يأخذُنا المَوجُ العاتِي، دَعُونا نطرح على الحكومة ممثَّلةً برئيسها جملةً مِن الأسئلة المشروعة البريئة بعد أن مضى على تشكيلِها ونشرِ أَشْرِعَتِها وانطلاقِ رِحلتِها عدة أسابيع

    هل تملك الحكومةُ الإرادةَ الحقيقية في الإصلاح وهل لديها القدرة على مقاربته؟

    ما الدليل الذي يؤكد ذلك؟

    إذا كان الجواب بالنفي فما هو مبرر استمرارها؟

    أمّا إذا كان بالإيجاب فهل يتوفر لديها تصوُّرٌ لكيفيته أم تتراءى لها في الأفق البعيد أوهامٌ وأضغاثُ أحلام؟

    وإن توفَّرَ لها ذلك التصوّر الحقيقي وسنحت لها الفرصةُ فهل تملك أدواتِ التغييرِ المنشود؟

    هل تنزل إلى الشارع بين الحين والآخر في مُسُوحاتٍ واقعية ولقاءاتٍ ميدانية وتتفاعل مع الناس لتقف على آرائهم وتصوراتهم وتستعين بها وتصوغ منها ما يفيد في بناء وتطوير مشروع الإصلاح الحقيقي المأمول؟

    هل تواصَلَت -كنهجٍ دائم- مع النُّخَبِ الخُلَّصِ في المحافظات من مختلف الأطياف ومَدَّت لهم بِساط البحث والنقاش لتُثْرِي جُعْبَتَها في موضوع الإصلاح تحديداً؟

    هل لديها خططٌ ثاقبةٌ ضامنةٌ لتحقيق المهمة الجسيمة؟

    هل تَرْجَمَتْها إلى برامج عمل قابلة للتطبيق ومكفولة النتائج في إطارٍ زمنيٍّ معقول؟

    هل وضعت معاييراً دقيقة لقياس مدى التقدم في عملية الإصلاح وتدابيرَ محكمةً لمواجهة المعوِّقات والتغلب عليها؟

    هل استعانت بالشعب وجعلته مَدَداً ورِدْءاً لها في مواجهة الضغوط والقوى الداخلية والخارجية التي لا تريد للإصلاح أن يَرَى النورَ؟

    وأخيراً، هل الفريق الوزاري بمجمله أو بأعضائه كلٌّ على انفرادٍ مؤهَّلون للمهمة الدقيقة من حيثُ الخبرةُ والدراية وتَوفُّر الصلابة فيهم وقوة الشخصية، والرؤية الحكيمة الواضحة، والإصرار والثبات على المبدأ، والصبر والتحمل، والتضحية والسعي بإخلاصٍ لبلوغ الهدف المنشودِ المسمّى بالإصلاح، أم يَرَوْن أن تحقيقَه ضربٌ من المُحال وليس أمامَهم إلَّا السيرُ في أحدِ السبيلين؛ إمَّا البقاءُ حرصاً على المكاسب وتمسَّكاً بالمناصب، أو حفظُ ماء الوجه بالتوقّف عن الإستمرار في لعبة سياسية تقليدية عبثية لا طائل من ورائها، والجنوح إلى تقديم الإستقالة كما فَعَلَ ذاتَ يومٍ دولة السيد عَوْن الخصاونة رئيس الوزراء الأسبق، أو معالي السيد طاهر العدوان الذي كان وزيراً يَنْطِقُ رسمياً باسم إحدى الحكومات التي أَفَلَتْ في بُرْهَةٍ من الزمان وطُوِيَتْ في أُفُقِ النِّسيان، وإذ أنَّ كلتا الشخصِيَّتَيْن يحملان هَمَّ مواطِنِيهِما ويَسْعَيَان لخدمتهم على النحو الأمثل، فقد اضْطُرَّا، بمِلء إرادتِهما، إلى الإفتراق عن السلطة التنفيذية فغادَرَاها غيرَ آسِفيْنِ عليها حتى لا يضيع وقتهما سدىً. لم يأتِ ذَانِكَ الرَّجُلانِ في حينها بأمرٍ خارقٍ ولم يجْتَرِحَا المعجزات، كانا صادِقيْن مع نفسيْهما، ثابتَيْن على المبدأ، منسجمَيْن مع الذات، أرادا فقط أن يُصلِحا المركب، فلمّا أدركا أنه لن يُتَاحَ لهما أن يَمْلآ المنصب، اتخذا قرارَيْهِما ومَضَىَيا. فهل سَيُقْعِدُ العَجْزُ الرئيسَ أو بقيةَ طاقمه الوزاري عن أن يَفْرِي أَحَدُهم فَرِيَّهُما أو أن يَحْذُوَ حَذْوَهما إذا ما تشابهت الظروفُ وتماثلت الأحوالُ، وتكرَّر تدويرُ التجربة العقيمة أو جرى استنساخُها من جديد!

    اثنا عشرَ سُؤالاً بِرَسْمِ الإجابة، تَخْطُرُ بِبَالِ الكثيرين، موجَّهةٌ بتواضعٍ إلى صاحب الدولة رئيس الحكومة، بينما الشعبُ المُكتوِي بنارِ الضَّنْك، المُتْخَمُ بالوُعودِ، ضاقَ ذَرْعَاً بسياساتِ حكوماتِه ونَهْجِ ممثلِيه في مجالس نُوَّابِه، وأصبح يَجِدُ نفسَه بِلا مُغيثٍ مُثخَنَاً بالضرائب، يمتدُّ أَمامَه مُستنقعُ الفساد المترامي الجوانب، تَنْهَالُ عليه النَّوائبُ تَتْرى، تَتّسِعُ و تَتَنامى تحت الرِّعاية الرسمية، لا سيما بعد انقشاعِ الغَمام وتَبَخُّرِ ثقةِ الأَنَام بالسّادة والسيّدات من أصحاب الولاية وأصحاب النيابة - بينما الشعبُ الواعي الذي يُوثَقُ بِكاهِلِه ويُحْمَلُ عليه يَقبِضُ على الجَمرِ وقد باتَ عاقدَ العزم على التغيير لم يستنفد الأمَل، وما بَرِحَ كامِناً متأهّباً يترقَّبُ بِلهفةٍ بُزوغَ فجرٍ جديدٍ آتٍ لا ريبَ فيه، ليس من العسير تَشخيصُ مَعَالِمَه، أو تحديدُ ملامحه، فطريقُهُ الإصلاحُ البيّنُ الواضحُ وشرطُ إِنْجازِهِ الإخلاصُ الصّادق، لا يصنَعُه إلا أْبناؤُه الأُصَلاءُ غيرُ المُسْتَوْرَدِين، ولا ينهضُ به إلّا رجالٌ شرفاءٌ غَيَارى مُكرَمُون، ونساءٌ فُضْلَيَاتٌ على سَوِيَّتِهم لم يَعْدَمْهُمُ الوطنُ ولنْ تَضِنَّ بهم البِلادُ أبداً.

    عدنان محمد عبيدات





    [26-08-2018 07:52 PM]
التعليقات حالياً متوقفة من الموقع