الرئيسية مقالات واراء
أطلق رئيس الوزراء د. عمر الرزاز، في مقابلته مع 60 دقيقة، موجة مهمة من النقاشات والسجالات في الشارع، حول مفهوم الإصلاح السياسي، بعد أن أعلن عن سعيه لتعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، بناء على حوار وطني، وصولاً إلى حكومة نيابية بعد عامين؛ أي مرتبطة بمجلس النواب المقبل، الذي من المفترض أن يكون مختلفاً بعد التعديلات التشريعية المنشودة.
البعض رحّب بهذه الخطوة، بخاصة أنّ القناعة الرئيسة هي بأنّه لا يجوز أن يتم هذا التحوّل الكبير في النظام الضريبي من دون أن يتوازى مع تمثيل سياسي حقيقي. أمّا البعض الآخر فشكّك في القصة برمّتها، واستذكر ما حدث في الأعوام الماضية، وبأوراق اللجان والتوصيات الموضوعة على الرفوف، وأعاد طرح سؤال الضمانات في تحقيق هذه القفزة السياسية الجوهرية!
وجهة نظر معتبرة، لها مصداقية وحجّية قوية، لكن من الضروري أن نأخذها في سياق الوضع الحالي والتطورات والأحداث، على النحو الآتي:
أولاً، نتحدث عن رئيس وزراء يؤمن بالديمقراطية والإصلاح، ومعروف بالتزامه العميق بهذا النهج، فليس من "العلبة العرفية" ولا التقليدية، ولا يسعى إلى تجميل نفسه، فمن المفترض أن يكون هو بذاته مؤشراً على مصداقية هذه الرسالة والنوايا إلى الآن، ولنحاسبه على الأفعال لاحقاً.
ثانياً، هنالك قناعة لدى مؤسسات الدولة، بخاصة بعد أحداث الرابع، ثم رسائل المحافظات، بأنّ لدينا أزمة سياسية عميقة ومتراكمة، وأنّ التحول في المعادلة الاقتصادية يقتضي تحولاً مماثلاً في الحياة السياسية، فذلك مصلحة وطنية عليا. لكن إلى أي مدى هذا التحول السياسي وما هو مستواه ودرجته؟ هي قضايا لم تُحسم بعد، وستكون -في ظني- في دائرة الحوار المرتقب داخل مؤسسات الدولة وفي ضوء حركة الشارع.
ثالثاً، المسألة لا ترتبط بضمانات ووعود وعهود، فقد جرّبنا هذه الطريقة (إذا تتذكرون!) وفشلت تماماً، بل في درجة الوعي السياسي والقدرة على التأثير لدى الشباب والقوى السياسية، وهذا يعتمد على شرط مهم جداً، بل أهمّ من كل الضمانات، وهو أن يتحول الحراك والنشاط الهائل الحالي من حركة احتجاجية مجرّدة، لا تمتلك تصورات للبدائل والخيارات، أو مجرّد نقاشات افتراضية، ساخطة، إلى تيارات متوافقة على رؤية سياساتية واقعية، وإلى أوزان حقيقية في الشارع، لأنّ هؤلاء الشباب والاحتجاجات اليوم لا تمثّل شيئاً في موازين القوى إن لم تتأطر بأي صورة من الصور، وتتحوّل إلى "رقم صعب".
رابعاً، السؤال أطرحه معكوساً، هنا، ما الضمانات في حال أجرينا الانتخابات وفق قانون انتخاب جديد معتبر، لنقل شبيه بالـ89، ألاّ تعود أغلبية المجلس الحالي (وبالمناسبة هنالك نسبة معتبرة من النواب الجيدين، لكننا نتحدث عن الأداء العام للمجلس)؟! بالمناسبة القانون الحالي فيه نقاط إيجابية عديدة، إذا لم تفرز هذه الأنشطة الاحتجاجية الغاضبة حركة بنّائية ورموزا وقيادات جديدة، فكأنّك يا أبو زيد ما غزيت، وهو ما حدث في كثير من الدول العربية. إذاً من الضروري أن تكون الفترة الزمنية بين التوافق على صيغة القانون الجديد المطلوبة والانتخابات المقبلة هي مرحلة التحول من الاحتجاج إلى العمل المؤطر.
خامساً، مرّة أخرى، ما الضمانة، إذا غيّرتم الحكومة الحالية، وجاءت حكومة مقبلة أن يكون هنالك تغيير جذري، سواء على قانون الدخل (وهو بالمناسبة استحقاق مالي البديل الوحيد له كارثي)، أو على صعيد الفساد أو الإصلاح السياسي. لذلك المطلوب اليوم أن ندرك بأنّ الاكتفاء بالاحتجاجات، وهي الأسهل للاعتراض والتعبير عن الغضب، ليس بديلاً عن تطوير أطر حقيقية تهيكل العمل وتنظمه وتفرز قيادات وقوى فاعلة.