الرئيسية تقارير
أحداث اليوم -
شفاء القضاة - تقف آلاف النساء سنويًا في حلبةٍ واحدةٍ لمواجهة سرطان الثدي في الأردن، إذ يتربع على رأس قائمة أنواع السرطان الأكثر فتكًا بالمرأة، وفقًا للسجل الأردني للسرطان.
وتقاتل 8457 حالة بين الذكور والإناث هذا المرض أملًا في النجاة منه والوصولِ لبرِّ الأمان، وما بينَ رحلةِ العلاج ونهايتها آلاف القصص التي تحملُ في طياتها الكثير، فمريضُ السرطان لا يحملُ العبء وحده، ولا يقاتل المرض بمفرده وإن بدا هذا جليًا للكثير، إنما ينقل التعب الذي يشعرُ به ليتجسد في أرواح الناس المُقربين منه وإن كانوا لا يأخذون جرعات الكيماوي ولا يسمون مرضى، إنما تتأثرُ حالتهم وفقًا لحالته أو لما يعيشونه وهم بدورهم يؤثرونَ عليه؛ فإمَّا أن ينزعوا من روحه الأمان ويدفعوه للموت بدون أن يشعروا، وإما أن يقوموا باحتضانه مُثبتين لهُ أن لا أحد غيرهم قادرٌ على استيعابه، وأنهم موجودونَ في الصحة والمرض.
موقع " أحداث اليوم الإخباري" تنقل بين العديد من المُحيطينَ بالمرضى والمُختصين بالأمر لمعرفة تأثير المصاب عليهم وتأثيرهم عليه، وكيف يمكن التعامل مع كلا التأثيرين لمحاربة المرض.
الناس يعتقدون أن مريض السرطان سيموت
تكتمت العشرينيةُ وعد عن معرفتها بإصابة والدتها بالسرطان لخمسِ سنوات، إذ لم تفاتح أمها بالموضوع، حيث كانت الأخيرة تحاول جاهدةً ألا تشعر أولادها بإصابتها به، رغم أن ذلك كانَ يبدو أقرب للمستحيل بسبب جرعات الكيماوي وتغيرِ شكلها.
تصف الفتاةُ معرفتها بمرض والدتها بأنه قد أكتشف في مراحله الأولى وبعد إجراءها الفحص الذاتي لنفسها، وفي الفترة ذاتها كانت وعد في سنتها الأولى بكلية الطب؛ مما سهل عليها طرح أسئلتها حول حالةِ أمها على الأساتذة لتُصدم بعدها بأن هذا هو السرطان.، وتتابع قولها " كنتُ سعيدةً لمعرفتي أن العلاج موجود إلا أنني خفت من تصوري المتعلق بأن والدتي قد لا تكون موجودةً في أي لحظة".
حملت العشرينية مرض والدتها على كاهلها؛ مما دعاها للجلوسِ وحيدةً في غرفتها بسكنها الجامعي ومحاولة إيجاد حل؛ فجميعُ سكان المنزل كانو يرونها الطبيبة المرتقبة التي تعرف كل شيء، تتحدث عن تلك المرحلة باقتضاب" كانت صعبة علي، تأثرت دراستي بشدة، وأصابني اكتئاب، بالإضافة لإنزعاجي من فكرة عيشي لشيء وإظهاري وجهًا آخر أمام الناس، وبخاصةٍ أهلي ووالدتي، وبشكلٍ دقيق بعد بدء علاج الكيماوي".
قاومت وعد فكرة أن والدتها توصيهم في أوقتٍ كثيرة، كشخصٍ سيرحل في أية لحظة؛ مما دفع الأم للاهتمام بأولادها ودراستهم وأوقات نومهم؛ في محاولةٍ منها لضمان كل شيءٍ قبل أن تفارق الحياة، فيما تشير الفتاة إلى أن من الأمور الصعبة عليها عدم قدرتها على النظر في وجهِ والدتها بعد تغيرِ شكلها " لم أستطع فعلَ شيءٍ لها، تعاملت معها بشكلٍ طبيعي إلا أنني عجزتُ عن تقديمِ أي شيءٍ لتعبها".
فيما تطرقت للحديث عن المجتمع المُحيطِ بوالدتها وإشعارها بأن ما تعيشه مُصيبة، وأن الإنسان من الممكن أن يموت في أية لحظة، وتهويلهم للموضوع؛ مما يزيد من الضغط على الأسرةِ كلها، خاصةً وأنهم يدخلون المنزل في كل الأوقات بلا تقديرٍ لتعب الأم، كأنهم يودعونها، ما وصفتهم الابنة، التي ما لبثت أن شددت على "عارفة ايش نظرة المجتمع للي معه سرطان؟ انو خلص بودعوه وحيموت"
تتابع والدةُ وعد رحلتها مع العلاج بعد شفائها من المرض، حيثُ تزور الطبيب كل ستة شهور للاطمئنان على حالتها، في حين تؤكد الفتاة أن التخوف من المرض ما زال يقلقهم.
سرطان يعني موت
أخفت وداد، الأخت الكبرى لنبيلة خبر إصابتها بالمرض عن أهل زوجها وخطيب ابنتها, خشيت عليها من فقدان الخطيب؛ لاعتقادٍ سائدٍ لدى البعض بأن المرض وراثي ومرتبط بالجينات، مما دعاها لتنفس الصعداء حين ارتباط ابنتها.
تروي نبيلة تجربتهم مع مرض شقيقتها بأنها كلما أرادت أخذ العلاج كانت تخبر أقاربها عن إجرائها فحوصاتٍ لأداء العمرة, وحين يأتون لزيارتها تتحجج بمرضها أو خروجها من المنزل, وإن لزم الأمر تضطر لارتداء الحجاب أمامهم معتذرةً بأن منزلها مكشوف.
تقول الأخت إن السرطان يعني الموت, لا أحد يسمع هذه الكلمة إلا ويربطهما معًا, الجميع كان خائفًا من شكل وداد وخاصةً الأطفال, ألحوا على أمهم بالسؤال "ماما ليش خالتو هيك شعرها؟" مما أشعرها بالألم، تؤكد" مصير المرض الموت، حتى لو كانت نسبة الشفاء عالية، سيعود في النهاية".
لا تنسَ نبيلة أن شقيقتها كان بإمكانها إجراء الفحص المبكر واكتشاف المرض قبل انتشاره وقبل أن تُقدم على استئصالِ ثديِّ ليلحق به الآخر، إلا أن زيارتها لطبيبٍ واحدٍ أكد لها شفاءها أدى إلى تجاهلها الأمر حتى لم يعد هناك مجالٌ لذلك، الأمر الذي لا يمكنها مسامحة نفسها عليه وما يدعوها لتوصيّة شقيقاتها بالفحص، بدا صوت نبيلة واهنًا وهي تستذكر وداد قبل المرض " مثل الزهرة التي ذبلت (بتحسي هيك ما ضل شي) ".
ترجع الأخت بذاكرتها إبان تلقي والدتهم خبر إصابة شقيقتها، لم تتمالك نفسها، قالت بيأس "زياد ذهب والآن وداد ستلحقه" وزياد هو زوج شقيقتهم الذي أخذه السرطان، لا تتوقف الأم المكلومة عن ترديد "أين روح وداد الجميلة؟ أين ذهبت؟"، لتقفز نبيلة بذاكرتها حين عرفت عن المرض" تداخل الليل والنهار وفقدنا الرغبة بكل شيء، تدمرنا، إلا أنه وجب علينا الضحك ومجاملة الآخرين؛ لأجلنا ولأجل أهلنا وأولادنا".
تتابع" حين أراها كنت أدخل للمرحاض وأبكي، وأخبرهم عن تذكري لوالدي الذي توفي من وقتٍ قريب" إلا أن الأسرة أرادت أن تعيش مع الأخت المصابة؛ فالحياة قصيرةٌ كما يقولون؛ لذا وضعوا قواعد لذلك, لا ملابس تظهر المفاتن، ولا حديث عن المرض أو الموت، وعدم أشعارها بأنها مريضة، ورغم أن صمة المرض كانت كبيرة على العائلة إلا أنهم حاولوا تقبل الأمر، "الإنسان يعتاد مع الأيام" توضح نبيلة.
من الصعب أن تنتظر المجهول
ستٌ وعشرون سنةً قضاها أبو عديّ برفقةِ زوجته، ستٌ منها خاض معها مشقاتِ رحلة العلاج، لا يمكنه تناسي الحظات التي كان يخرج معها بعد منتصف الليل لاصطحابها من الزرقاء إلى المشفى في عمان، يصف ما كان يحدث معهم بقوله" لم تكن مزحة ! سيارتي مؤمنة دومًا وولطالما كنا في حالة استنفار لأي لحظة تعب, هذا كان يجعلني أُعاني بشدة" ويذهب بعيدًا في أفكاره وهو يضيف"أشعر بأن الطريق طويل طويل علي, أقرب شخص للمرأة المريضة زوجها، عانيت بشدة".
لم تخفَ على الزوج قصص الأزواج الذين هجروا زوجاتهم بعد المرض، احتد حين الحديث عنهم، واصفًا إياهم بالفتقرين للشهامة، ليتساءل باستنكارٍ بعدها "(فوق ما الله مبتليها تزيد عليها كمان؟")، لم يترك زوجته رغم وضعه المادي الذي يساعده على الارتباط بأربع، إلا أنه رفض الفكرة من أساسها بجملةٍ مختصرة " لا يمكن أن أؤذيها على حساب نفسي".
بين ضحك ولعب ومزاح ونزهات، حاول الزوج أن يصنع هذا النوع من الأجواء لزوجته، حتى أنه كان يصطحبها لمكانٍ تحبه بعد كل مراجعةٍ في المشفى، يصف ذلك بقوله"اكتشفت حاجتها للكثير من الجلسات بعد كل مرة نخرج بها معًا, تهمني بسمةُ أولادي في النهاية، أحبُ منزلي، هؤلاء أهم مني؛ لأنها حياتهم الآن لا حياتي, التضحية يجب أن تكون من الأب ليبقَ هذا المنزل قائمًا".
كان يراها كامرأةٍ جبارة تحاول إعانة نفسها ومقاومة المرض، وهو ما جعله يقف في وجه الكثير من الأشخاص الذين راهنوا على تركه لها، إلا أنه آمن بأن من لديهم مريض فعليه احتوائه, انفعل أثناء حديثه مستغربًا "هذه زوجتي التي وقفت معي في أيامي الصعبة، ليس علي أن أنسى, أم في أيام الشدة هي معي وفي أيام الرخاء أتخلى عنها ! لا يجدي هذا نفعًا إلا مع نذل".
واستنكر أبو عدي أفعال الّذين يتركون زوجاتهم لتغيّر أشكال أجسادهم واصفًا إياهم بـ"(اللي عينه فارغة رح تضل فارغة) من زوجته مصابة أو غير مصابة قد أوجد منفذًا لتركها، السرطان كعذر، الإنسان يحب أن يرى زوجته جميلة وبأناقتها لكن لا توجد إنسانةٌ تزيل الثدي بنفسها"، فيما انعكس كلام الزوج على أرض الواقع إذ كان يطهو ويغسل ويمسح الأرض ليريح زوجته، ويحاول التنسيق بين عمله ومناسباته ووقته معها.
يروي الزوج تفاصيل رغبة والده بأن يزوج ابنهم حتى تفرح زوجته به قبل موتها، إلا أن سرطان المعدة كان أقرب إليه ليسلب حياته، هذا لم يفقده الأمل في شفاء زوجته، وتمنى أخذ مرضها عنها كشريكةٍ له، بدت تنهيدةٌ مليئةٌ بالتعب واضحًة حين خرجت منه وهو يقول "هذا مرضٌ طويل الأمد، أرق وتعب وانتظارٌ للمجهول، من الصعب أن تنتظر ذلك" وتابع" كان الأمر صعبًا عليَّ في أول شهر، لكن إذا كانت هي مريضةٌ وأنا مريض سأسقط قبلها، لقد بكيت في البداية مع نفسي، إلا أن هذا إلى حدٍ مُعين، السرطان كاللص الذي قبضنا عليه وقتلناه".
لم نشعر أن أمنا ستموت
ثلاثون عامًا مرت منذ فقدها والدتها، لم تنسَ حسناء أي تفصيلٍ من تفاصيل مرضها ولا شعورها الدائِم بألم أمها رغم وجود والدها كداعمٍ لها، وكأيِّ إنسانٍ يرفض تقبل الواقع، تمسكت حسناء وأُسرتها بالأمل، لم يشعر أيٌ منهم بأن الأم قد تموت، تقول عن هذا" كانت تصلي وتدعو بصمت حتى لا تشعرنا، إلا أننا كنا نشعر، لقد عاشت لسنتين مع المرض".
عرفت والدة حسناء عن مرضها متأخرًا إبان إنجابها أصغر أولادها، لم تتجاوز الثامنة والثلاثين من عمرها حين رحلت عن الحياة، لم يقتلها السرطان بل خطأ في عملية، تستذكر حسناء والدتها وكأنها حاضرةٌ أمامها"لم نشعر أن أمنا ستموت, كانت تشعر أن من حولها ينتظرون موتها, ومارست حياتها بشكل عادي كمعلمة, تعمل في المنزل وتذهب للتدريس، وتمارس حياتها بشكل عادي".
تكالب المجتمع على الأم واتفقوا على أن الموت نهايتها الحتمية، ظل الجميع يرمقونها بنظرات الموت، كما تصف حسناء، لدرجة أن المشفى كان يمنع أولادها الصغار من زيارتها، بعيدةٌ على النافذة كانت تراقبهم وهم يلعبون في حديقة المشفى ولا يرونها، تؤكد حسناء " والدتي لم تشعرنا بالمرض، اعتدنا دائمًا أن نذهب للمشفى بسبب مرض شقيقي، اعتنيت بالجميع بصفتي الكبرى وتحملت مسؤوليتهم، وبقيت أنتظر عودة والدتي حتى الآن".
ماذا قال المختصون ؟
من جهته أكد الطبيب النفسي الدكتور عبدالله أبو العدس أهمية عملية الدعم للاطراف الأخرى القريبة من المصاب، واصفًا إياها بأنها جزء لا يتجزء من عملية علاج المريض أو تأهيله؛ لأن المرض نفسه يصيب السيدة بحالة من الإكتئاب أو القلق او التوتر، وأحيانا تعتبر بصدمة نفسية، وبالتالي فإن التأقلم أو التكيف للخروج من هذه الصدمة النفسية بأقل الخسائر أمر يعتمد على تاهيل الدواعم الإجتماعية والتي يعد الزوج أو الأولاد أو الأسرة الكبيرة جزءً منها، وفقًا لكلامه.
وأضاف أبو العدس أن رعاية المصاب بمرض كالسرطان تشكل أعباء على مقدمي الخدمة والرعاية أو الدواعم الاجتماعية وبالتالي سيصابون بحالات من الغضب والاكتئاب والعزلة، موضحًا " أحيانًا قد يرغبون بالانفصال عن الطرف المصاب وبالتالي فإن الأشخاص من حوله يتحملون أعباء نفسية واجتماعية واقتصادية قد تكون مرهقة وبالتالي ستزداد حالة الشخص سوءًا مما يقلل من جودة الدعم النفسي للمريض".
وشدد الطبيب على كون المحيطين بالمريض يعانون من بعض الآثار، لكن إذا تم تقديم الدعم ورفدهم بطريقة صحيحة فإن هذا سيخفف من كم الأعباء التي تحيط بهم، كما أن من المفترض عمل مجموعات علاجية أو جلسات فردية أو جماعية الهدف منها شرح مفهوم السرطان بشكل عام وسرطان الثدي بشكل خاص، و ترتيب بعض الاولويات في التعامل مع المريض.
أما استشاري النفس التربوي الدكتور موسى المطارنة فقد قال إن السرطان بحد ذاته بحاجة لوجود داعم نفسي للمريض والذين حوله، مضيفًا"يحدث ذلك من خلال توعيتهم أو توجيهم، فهو شيء مخيف للإنسان, ومجرد إحساسه بوجوده يصيبه بحالة نفسية صعبة.
ونوه الدكتور المطارنة إلى أن الأشخاص حول المريض قد يزيدون المشكلة لعدم قدرتهم على التعامل معها أو تعاملهم بشكل خاطئ، مبينًا "المصاب بهذه المشكلة يجب أن يتم رفع معنوياته وزيادة دافعيته وتخفيف حدة الصدمة عنه بحيث يتم إشعاره أن المرض من الممكن أن يختفي وينتهي مهما حدث؛ لذا . من الضرورة أن يكون هناك تدخل نفسي لتدريب الناس على كيفية التعامل مع المريض".
ولفت إلى افتقار الناس للوعي النفسي، قائلًا "لا زال مجتمعنا غير واعٍ لأهمية الاستشارة النفسية وقدرتها على إطالة حياة المصابة70% ؛ فالموت لا يرتبط بالمرض, الموت قدر".
بلغة الأرقام
حالاتٌ كثيرةٌ مرَّ سرطان الثدي من خلالها في الأردن, فوفقًا لآخر تقرير للسجل الوطني الأردني للسرطان عام 2015، شكل ما نسبته 20.5% من بين جمع السرطانات، و49.4% من السرطانات التي تصيب النساء.
هذا وقد بلغ معدل العمر عند التشخيص 52.5 عام، بينما تراوحت الفئات العمرية بين 21 – 91 عام، وكان العمر الأكثر تكرارًا هو 50 عامًا, في حين ترأست المتزوجات أكثر الحالات نسبةً بالإصابة في المرض بما يساوي 73.7، فيما احتلت العاصمة عمان أكثر المناطق إصابة بالمرض.
ويبقى تأثير الحالة النفسيّة على من هم حول المصابة عاملًا مهمًا يتوجب علاجه لتمكينها من القتال، فعادةً ما يُقال، إن من هم حول المريض مُرضى كذلك؛ لاشتراكهم بالمعاناة والألم، فهل تقرر النساءالكشف المبكر لحماية من هم حولهن؟ وهل يعد هذا دافعًا يجعلهنَّ يعشنَ أكثر؟ فالسرطان لا يفتك بامرأة، بل يقتل عائلة.